جعل كلا الحكمين في نفسه وبنحو القضية الحقيقية ممكنا للمولى، فلا تنافى بينهما في عالم الجعل، وانما التنافي بينهما في مرحلة فعليتهما، باعتبار عدم امكان امتثالهما معا لعدم تحقق موضوعيهما معا.
فهو التزاحم - كوجوب انقاذ هذا الغريق ووجوب انقاذ ذاك الثابتين بدليليهما في زمان واحد - فان جعل كلا الحكمين لا محذور فيه، لان جعل الاحكام بنحو القضية الحقيقية وهو لا ينظر إلى ثبوت الموضوع وعدمه، بل هو ثابت ولو لم يكن الموضوع ثابتا وموجودا، فاجتماع الغريقين مع عدم القدرة الا على انقاذ أحدهما لا يوجب التنافي بين الحكمين في عالم الجعل، بل في عالم الفعلية، لاجل التردد في صرف القدرة في هذا الطرف فيكون حكمه فعليا دون الاخر أو بالعكس.
ولا يخفى ان هذا - أعني: تعيين أحدهما - ليس من شأن المولى والجاعل، إذ لا يرتبط بمولويته وبجعله، بل من وظائف غيره، وهو لا يضر بنفس الجعل، لأنه ينفى موضوع الحكم الاخر، لا انه ينفى الحكم عن موضوعه، فلاحظ (1).
والمورد الذي تظهر فيه ثمرة الخلاف بين المحققين (قدست أسرارهما) هو مورد توارد الحكمين المتنافيين على موضوع واحد، بحيث لا يكون التنافي ناشئا من جهة العجز عن الجمع بين الامتثالين مع ثبوت الملاك لكل من الحكمين، كالصلاة في الدار المغصوبة بناء على الاتحاد والانحصار، فإنها مشمولة لدليل: " صل " ولدليل:
" لا تغصب " فان مثل هذا المورد من موارد التزاحم عند المحقق الخراساني لوجود الملاك - كما يلتزم به - ومن موارد التعارض عند المحقق النائيني، لرجوع التنافي إلى عالم الجعل لا إلى مرحلة الفعلية، لعدم امكان اجتماع الامر والنهى وامتناعه.
وفي غير هذا المورد لا تظهر الثمرة بين القولين وان اختلفا مفادا، لثبوت الملاك في مثل مثال الانقاذ، مما تعدد فيه موضوع الحكمين.