منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٧ - الصفحة ٢١١
في الشك في أصل وجود الشئ، الا انه يحمل على الشك في الصحة بقرينة اسناد التجاوز، وكونه تطبيقا على الصدر الذي عرفت أنه من موارد قاعدة الفراغ.
وحمل الذيل على ما أفاده الشيخ خلاف الظاهر، لأنه يستلزم أن يكون متعلق الشك غير متعلق التجاوز، وهو خلاف ظاهر الكلام، كما أنه يلزم منه التأويل المذكور للتخلص عما يرد عليه من الاشكال وهو مؤونة زائدة غير ظاهرة من الكلام.
فالحاصل: ان الرواية أجنبية بالمرة عن جريان قاعدة التجاوز في اجزاء الوضوء بل هي متكفلة صدرا وذيلا لبيان جريان قاعدة الفراغ فيه، فلا منافاة بينها وبين الاجماع والنص فالتفت.
ثم إنه لا وجه لالحاق الغسل والتيمم بالوضوء في عدم جريان قاعدة التجاوز بعد اختصاص الاجماع والنص بالوضوء، لشمول مطلقات القاعدة لهما بلا مخصص ومقيد. فتدبر (1).

(١) قد عرفت عدم جريان قاعدة التجاوز في أجزاء الوضوء. فهل تجرى قاعدة الفراغ فيها مع الشك في صحتها أولا؟. فمثلا إذا دخل في غسل اليد اليسرى وشك في صحة غسل اليمنى أو الوجه لفقد بعض شرائطه، فهل تجري قاعدة الفراغ لاثبات صحة الغسل أو لا؟.
ولا يخفى ان البحث. في ذلك بعد الفراغ عن جريان القاعدة في الشك في صحة الجزء بعد الفراغ منه بقول مطلق وفى سائر المركبات.
والتحقيق: ان مقتضى العموم كقوله (عليه السلام): " كل شئ شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو " هو جريان القاعدة في الوضوء. وانما الشبهة من جهة رواية زرارة الآنفة الذكر الدالة على الاعتناء بالشك في الأثناء. لكن عرفت انها ظاهرة في كون موضوعها خصوص الشك في وجود الجزء فلا تشمل الشك في صحة الجزء المشكوك.
هذا وقد استثنى السيد الخوئي - كما في مصباح الأصول - من ذلك ما إذا كان الشك فيما سماه الله سبحانه في كتابه كما لو شك في الغسل بالماء المطلق أو المضاف، فإنه لا تجري قاعدة الفراغ في الجزء المشكوك لكون الشك فيما سماه الله كما يظهر من قوله: " فاغسلوا وجوهكم... " بضميمة " فان لم تجدوا ماء "، وإذا كان الشك فيما سماه الله سبحانه كان مشمولا لرواية زرارة الدالة على الاعتناء بالشك فيه.
وما ذكره حفظه الله تعالى لا يخلو عن كلام وذلك: لان المستفاد من رواية زرارة ان كان الاعتناء بالشك في خصوص وجود الاجزاء غسلا أو مسحا بحيث كان قوله (عليه السلام) فيها:
" مما سماه الله... " قيدا توضيحيا، لان جميع الغسلات والمسحات مما ذكرت في الكتاب الكريم، فلا نظر للرواية حينئذ إلى الشك في مثل الغسل بالماء أو من الأعلى أو غير ذلك مما يرتبط بصحة الجزء.
وان كان المستفاد منها هو الاعتناء بالشك في كل ما يرتبط بالوضوء من اجزاء وشرائط بقول مطلق، فيكون قوله (عليه السلام) " مما سماه الله " قيدا احترازيا.
ومن الواضح ان مقتضاها حينئذ تخصيص قاعدة الفراغ أيضا فلا تشمل مورد الشك في أثناء الوضوء، لكن لا يخفى ان التقييد بما سماه الله كما يستلزم طرح قاعدة الفراغ في اجزاء الوضوء في خصوص ما إذا رجع الشك فيه إلى الشك فيما سماه الله كذلك يستلزم تقييد إلغاء قاعدة التجاوز في خصوص ذلك المورد، فالالتزام بعدم جريان قاعدة التجاوز في اجزاء الوضوء وشرائطه بقول مطلق، وتخصيص عدم جريان قاعدة الفراغ بخصوص ما إذا رجع الشك إلى الشك فيما سماه الله ليس بصحيح. فما افاده لا يخلو عن اشكال، وبعبارة أوضح نقول: ان القدر المتيقن من الرواية هو نظرها إلى إلغاء قاعدة التجاوز في الوضوء بلا اشكال لدى الكل، وعليه فيكون التقييد المزبور راجعا إلى تقييد إلغاء قاعدة التجاوز لا خصوص قاعدة الفراغ. فانتبه.
ثم انك قد عرفت أن الرواية تختص بالشك في خصوص وجود الغسلات والمسحات ولا نظر لها إلى غير ذلك. وعليه فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ في اجزاء الوضوء بقول مطلق. فتدبر.
(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ٢ / 481 - الطبعة الأولى.
(2) الواعظ الحسيني محمد سرور. مصباح الأصول 3 / 306 - الطبعة الأولى.
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»
الفهرست