ليس طريقا وصفة، بل هو عنوان العلم ومفهومه، وما هو الطريق والصفة هو العلم الموجود في أنفس المكلفين، فإن أصاب الواقع يكون جزء الموضوع، إما على الطريقية، أو الصفتية، وفي صورة الخطأ يكون تمام الموضوع على وجه الصفتية.
وكل ذلك لخصوصية المورد، دون القانون، فإنه العام الخالي من هذه الخصوصيات، وتلحق هذه الأمور باعتبار المصاديق حسب الفهم العرفي، وسيظهر توضيحه وتحقيق هذه الجهة في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى (1).
فتحصل إلى هنا: أن شمول الأدلة الأولية لتحريم المتجرى به، أو إيجابه، مما لا بأس به ثبوتا وإثباتا. وعلى التحرير المزبور في كلامنا، تظهر مواضع الضعف في كلمات العلامة النائيني وغيره في المقام (2).
بقي شئ يتوجه إلى التقريب المزبور مضافا إلى ما تحرر منا: من أن الأدلة الأولية تشمل إيجاب الطبيعة وتحريمها على إطلاقها، من غير أن تحصص بحصتها المقدورة المعلومة، لعدم شرطية القدرة في إيجابها وتحريمها المطلقين، ويمكن أن يكون الحكم فعليا عاما بالقياس إلى كافة حالات المكلفين، من النسيان، والغفلة، والسهو، والجهل، والعجز، وغيرها، فلا يتم ما تخيل.
ولا يتم أيضا دعوى الانصراف، لأن منشأه ربما كان الوجه العقلي، ولكنه غير وجيه. ولو كان لدعوى الانصراف وجه، لما كان لحديث الرفع محل تأسيسي.
وبالجملة: إطلاق الأدلة الواقعية قطعي، ولو فرضنا صحة اختصاص الحصة المقدورة بالتكليف، ولكنه لا يلازم كون الأدلة معنونة بعنوان " المعلوم " و " المقدور " حتى يستنبط منه ويستظهر منه معانيها الخاصة، وحدود دلالتها وانصرافها، فإن كل ذلك خروج من الطريقة الصحيحة في استنباط الأحكام الإلهية، كما هو الواضح.