بالإشارة إلى القياس الأخير وكبراه المعروف بينهم.
فنقول: إن من الأباطيل المشهورة هذه القاعدة، التي ربما تعارفت في الكتب الأصولية (1)، آخذين عن بعض الكتب الكلامية (2). ومن الغريب تخصيصهم هذه القاعدة بما يحكم به العقل في سلسلة العلل والمصالح والمفاسد للأحكام، دون سلسلة المعاليل، لامتناع كون العصيان محرما، للزوم التسلسل (3)!!
وفيه: أن القاعدة العقلية لا تقبل التخصيص، لأن العقل بملاك واحد يحكم، وهو مشترك بين السلسلتين بالضرورة.
هذا، وقد مر: أن التسلسل المزبور يرجع إلى أن العبد يستحق العقوبة أبدا، وهذا ليس من التسلسل المحال، وقد عرفت أن التسلسل ينقطع إلى حد يكون تحريم العصيان، قابلا للزاجرية (4).
وأما الإشكال: بأن العقل ليس إلا يدرك الشئ، فهو لا يضر بالمقصود، لأنه حينئذ ترجع القاعدة إلى أن كل ما أدرك العقل ممنوعيته، أدرك ثانيا ممنوعيته شرعا، فيكون التجري ممنوعا شرعا، فعليه لا تكون القاعدة باطلة من هذه الجهة.
نعم، هي باطلة لما مر منا في أوائل البحث الأول: وهو أن مما يدركه العقل ممنوعية الظلم بالضرورة، ومما يدركه العقل أيضا هو لزوم الفرار من القبيح العقلي الذي هو الظلم بالذات، وأما غير الظلم فيكون قبيحا لأجله، على الوجه المحرر