نعم، للشرع أن يحكم بحرمة التجري، لأجل أمر من الأمور، دون العقل، فلا تخلط واغتنم.
ثم بناء على هذا ينقلب القياس المزبور من ناحية صغراه، ويصير هكذا " إن التجري ظلم، والظلم قبيح، فالتجري قبيح، وكل قبيح يستحق العقوبة عليه... " إلى آخره، فيتقوم حصول النتيجة بثلاثة قياسات.
بقي شئ نلقي احتماله، وعليك بالتأمل: هل قبح الظلم من الفطريات والأحكام العقلية، ومما يناله العقل الفطري العام الفارغ من كل غش، ومن كل ظلمة، وأنه من المدركات العقلية عند كل ذي عقل؟
أو هو من الأمور الحاصلة في المحيطات الخاصة، وفي الآفاق المعينة، ولأجل الإلقاءات والبناءات والتعاليم والأقاويل؟
مثلا: التجاوز على الفرد لبقاء النوع، والتعدي على الأفراد حفاظا على النظام النوعي، ليس من الظلم على الفرد وجدانا، أم هو ظلم وتعد بالقياس إلى الفرد، ولكنه مما يدرك العقل حسنه بالقياس إلى النوع والأمر الأهم.
وإن شئت قلت: ربما يكون الفعل ظلما من دون أن يكون الفاعل مقبحا، لما أنه ناظر إلى الخير الأكثر، وأما بالقياس إلى حال زيد بن عمرو الشخصي، فإنه مظلوم، وفداء للأكثر، وتفاد للمجتمع، فلا يوصف الظلم في كل حال بالقبح، وهكذا ربما لا يكون تجاوز الناس قبيحا، لما أن العادة والمسجل على ذلك، فلا يدركون القبح من التجاوز.
ولولا المخافة من بعض الأمور الخارجة عن حد القارئين، لأشرت إلى ما هو الواقع في الكون، مع ما هو جوابه المتين، وكفاك هذا رمزا.
تنبيه: في أن قبح الظلم ليس ذاتيا لا شبهة في أن القبح، ليس ذاتيا للظلم حسب مصطلح باب الإيساغوجي،