وإن شئت قلت: إن ارتكاب القبيح مما يحكم العقل بممنوعيته، فيكون التجري ممنوعا عقلا وشرعا.
أقول: هنا بحوث لا بد من الإشارة إليها على إجمالها، حتى تتم بها مسألة التجري، ومشكلة الفعل المتجرى به أيضا:
البحث الأول: في نفي القبح الذاتي للتجري قد اشتهر بينهم: " أن التجري قبيح، وأن قبحه ذاتي، لا يختلف بالوجوه والاعتبارات الطارئة " (1).
أقول: عنوان القبح مما يؤخذ من عناوين المعصية، والظلم، وترجيح المرجوح على الراجح، بل والترجيح بلا مرجح، وأمثال ذلك، وما هو القبيح - حسب التجزئة والتحليل - هي الجهة المشتركة، لامتناع انتزاع العنوان الواحد عن الكثير بما هو كثير، وإذا راجعنا تلك العناوين الكثيرة، يمكن أن نصل إلى أن كلا من التجري والمعصية... إلى آخرها، قبيحة لأجل قبح الظلم، لأن ما هو القبيح ذاتا ويكون القبح منتزعا عن صراح ذاته - حسب ما هو المعروف بينهم - هو الظلم، فيكون قبح التجري وهكذا قبح المعصية معللا: بأنه ظلم إما لأنفسهم، أو للباري عز اسمه والمنعم الحقيقي، على الوجه الخاص، فتأمل.
فبالجملة: ليس قبح التجري ذاتيا اصطلاحا، فما هو القبيح هو الظلم، لا التجري، وعلى هذا لو كان القبيح في الشرع محكوما بحكم فرضا، فلا يمكن أن يكون التجري بعنوانه مورد ذلك الحكم، ضرورة أن الحيثيات التعليلية في الأحكام العقلية، ترجع إلى الحيثيات التقييدية، وتكون عناوين موضوعاتها.