الجمعة، فأن صلاة الجمعة واقعها المطلوب النفساني، وتركها المطلوب بإيجاب الأخذ بالطرق والأمارات الناهضة على حرمتها ووجوب تركها، ولا يعقل الجمع بين الطلبين، وإن لم يكن فيهما في مصب واحد اجتماع المتضادين، أو لا مضادة في الأحكام رأسا، ولكن يلزم طلب المحال، وطلب ما لا يمكن، وهو فعل الصلاة وتركها، كما لا يخفى.
قد مر: أن هذه الغائلة لا تختص بالطرق والأمارات، لاشتراك القطع معها في كونه مجعولا وممضى مثلها، وقد مر أيضا: أنه حتى لو كان منجعلا، لاشترك معها في المشكلة، حسب قياس الإرادة التكوينية والتشريعية (1)، ضرورة أن من يريد خلق صفة القطع المنتهى أحيانا إلى خلاف الواقع، كيف يتمكن من إرادة وجوب صلاة الجمعة على الإطلاق؟! فكما لا بد من حل هذه المعضلة بالنسبة إلى غيره، لا بد من حلها بالنسبة إليه أيضا.
بيان محذور جعل الأحكام مع علم الشارع باندراسها فيما بعد ثم إن الاحكام المشترك فيها الجاهل والعالم، أعم من الأحكام التي بين أيدينا التي ربما يصل إليها طائفة، وربما لا يصل إليها أخرى، ومن الأحكام التي لم تصل إلينا، واندرست من ابتداء الأمر، فإنها أيضا أحكام فعلية على عناوينها، وتشترك فيها الأمة، ولا يطلع عليها أحد.
وعندئذ يتولد إشكال: وهو أنه كيف يعقل جعل هذه الأحكام مع العلم باندراسها، ومع العلم بأن قطع القاطعين كلهم على خلافها؟! فعلى هذا في موارد تخلف القطع مطلقا، لا يمكن ترشح الإرادة الجدية الإيجابية أو التحريمية، لأجل أن المقنن يجد أن الأمة غير واصلة إليه، وقاطعة بخلافه، كما لا يمكن ترشحها مع الارتضاء بإمضاء الأمارات المتخلفة أحيانا.