الوجه الرابع العقل وقد مرت مشكلة ابن قبة في المسألة بما لا مزيد عليه (1).
وهنا تقريب آخر: وهو أن المتضلع الخبير بالمسائل التأريخية، والناظر البصير بالمسموعات والاتفاقات والحوادث، يجد امتناع الاطلاع عادة على ما هو واقع الأمر، وعلى ما هو حقيقة الحادثة، ولذلك تختلف الحكايات عن القضية الواحدة في عصرهم ومصرهم، فكيف إذا كان بعيدا عنهم، وبعيدا عنا؟! فإن في هذه النظارة، لا يصلح عند العقل تلك الأخبار للحجية والكاشفية، فإنه بعد العلم بوقوع الدس فيها بما عرفت واشتهر، لا يعقل اعتبار الحجية لتلك الأخبار، كما لا معنى لحجية الخبر المعلوم كذبه.
وبالجملة: لا منع ذاتا من جعل الحجية للخبر الواحد، وإنما المنع في حجية أخبار الفقه الموجودة عندنا. وإلى ذلك يشير ما في الأخبار السابقة: من الاحتراز عما لا شاهد عليه أو شاهدان من كتاب الله عز وجل، فلا ينبغي الخلط بين المسألة الكلية، وخصوص تلك الأخبار البعيدة عنا عصرا ومصرا، والمخلوطة بالأباطيل قطعا ويقينا، فلو قام دليل فرضا على الحجية، فهو دليل على مسألة كلية، لا في خصوصها. ولو كان في خصوصها، فهو مقصور بالنسبة إلى المتلقين في عصر الخبر قبل وقوع الاغتشاش فيها، وبذلك يجمع بين الآثار الدالة على الحجية وعلى اللا حجية.