الجهة الخامسة: هل الاجماع حجة أو ما يحكي عنه؟
ربما يقال: إن الاجماع ليس حجة عندنا، خلافا للمخالفين، فتكون الأدلة ثلاثة: العقل، والكتاب، والسنة، فإن الاجماع لأجل الكشف عن السنة حجة، فتكون السنة حجة، لا الاجماع (1).
أقول: إن حجية العقل صحيحة، لا بمعنى انكشاف الحكم به، فإن قاعدة الملازمة - كما مر (2) - من الأباطيل الواضحة، فليس معنى حجية العقل، قبال ما يكون المراد من حجية الكتاب والسنة، فإن الكتاب والسنة حجتان كاشفتان عن الحكم، بخلافه، وهما ليسا إلا حجة بمعنى واحد، ولا يتعدد ذلك، لعدم الاختلاف بينهما. ومجرد كون أحدهما قطعي الصدور لا يكفي، وإلا يلزم تعدد الحجة باختلاف الجهات العديدة.
فالحجة على الأحكام بمعنى انكشاف الحكم بها، هي الظواهر من الكتاب والسنة، لا غير، وأما الاجماع فهو حجة، كما يكون قول زرارة حجة، فلا معنى لسلب الحجية عنه إلا بالمعنى المزبور، لأن المراد من " الحجة " ما يحتج به المولى على العبد وبالعكس، وبهذا المعنى يكون الاجماع حجة، كما يكون العقل حجة.
وأما توهم: أن ما هو الحجة هو الحكم الثابت بالظواهر والإجماع، فلا يكون الكتاب والسنة حجة، كما لا يكون الاجماع حجة، فهو في غير محله، فإن الحكم شئ، والحجة عليه شئ آخر، فافهم وتدبر.
ويمكن أن يقال: إن الاجماع حجة، بمعنى حجية الظواهر، لكونه كاشفا عن رأي المعصوم (عليه السلام) مثلها، فالعقل ليس بهذا المعنى حجة مطلقا.