وأما أجنبية المولى عن المصالح والمفاسد بمعنى التباعد عنها، فهي واضحة قطعية، ولكن ذلك لا يستلزم كون الأوامر امتحانية، لأنه تعالى عن امتحان العباد أيضا، غني وأجنبي.
فما يمكن أن يكون مقصودا بالعرض في هذه الأوامر والنواهي التي تكون تابعة للمصالح والمفاسد، هو التحفظ على ما يبتلى به المكلفون، وما يحتاجون إليه في النشآت مطلقا، فيأمر وينهى عن تلك الواقعيات مما يصل المنافع والمضار فيها إلى نفس العباد.
وهذا هو معنى أن للمولى غرضا إلزاميا في ناحية الواجب، أو الحرام، فتدبر تعرف. وسيمر عليك أن العقاب إذا كان من تبعات هذه الأمور، يكون التحريم والواقعية أوضح، ويحصل هناك الفرق بين المتجري والعاصي بوجه أحسن وأبين.
وبالجملة تحصل: أن ما هو الموجب لاستحقاق العاصي، هو العصيان والتخلف عن النهي الواصل إليه عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والواجب عليه اتباعه، بعد درك ذلك بالرسول الباطني، لا الأمر المشترك بينه وبين المتجري، وهو ظهور سوء سريرتهم، وخبث باطنهم، بإرادتهم الاختيارية الموجبة لاتصافهم ب " المتجري " و " العاصي " وبحصول التجري والعصيان، فيكون ما في الحقيقة سبب الاستحقاق أمرا واحدا، وهو الظلم المنتزع من التجري والعصيان، لا عنوانهما، ولا الواقعيات، ولا سوء السريرة وخبث الباطن قبل ظهورها بإرادة اختيارية، فإن ذلك غير مطابق للتحقيق، بعد إمكان كون الخارج والواقعيات اختيارية بحسب التطبيق.
إعضال عدم اختيارية الإرادة وانحلاله ربما يقال: إن الأفعال النفسانية بين ما هي اختيارية كالإرادة، وما ليست اختيارية، كالتصور، والشوق، وأمثال ذلك أحيانا، وما هو الاختياري منها يوصف