فهنا بحثان:
البحث الأول: في أن الشك في الحجية يساوق القطع بعدمها والحق فيه: أن الشك في أن الشرع هل اعتبر الأمارة الكذائية، وجعلها حجة، أم لا؟ هو شك صحيح، ولا يساوق الحجية، كما هو الواضح. ولعله خارج عن مفروض الكلام، وهو الشك في الحجية.
وأما في مفروض البحث، فالحق فيه: أن المراد من " الحجية " حيث تكون، هي القابلية للاحتجاج بالفعل، وأن الحجة هي الأقيسة المنطقية، أو العقلائية الراجعة إلى تلك الأقيسة في الحقيقة، فلا يكون الشك فيها إلا راجعا إلى العلم بعدم صحة الاحتجاج به في الجملة.
وما قد يقال: إن الحجة هي الوسطية في الإثبات (1)، أو ما يحتج به على الخصم (2)، فهو - حسبما تبرهن عليه في المنطق (3) - غير صحيح، بل حقيقة الحجة هي الواسطة المتكررة بين الصغرى والكبرى، وإطلاقها على مجموع مواد القياس بالتوسع والمجاز.
وجميع الاحتجاجات العقلائية، لا بد وأن ترجع إلى تلك الأقيسة المنطقية، مثلا إذا احتج المولى على العبد بالظواهر، أو احتج العبد على المولى بالخبر الموثوق به، فكل ذلك يرجع إلى الشكل الأول، أي " أن الوجوب الكذائي قام عليه الظاهر، وكل ما قام عليه الظاهر يجب الأخذ به، فالوجوب الكذائي يجب الأخذ به ".