فإن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد ويقولون: إن جاء به بعد أشهر صلح فقال إنما هذا تقديم وتأخير فلا بأس به ".
أقول ما ذكره في هذا الخبر هو المعنى الأول من المعنيين المذكورين في النهاية، ومن هذا الخبر يظهر أن مذهب العامة تحريم العينة، لأن المراد بأهل المسجد علماء العامة الذين كانوا يجلسون في مسجد النبي صلى الله عليه وآله، لأجل نشر العلوم، وتعليم الناس وإلى ذلك يشير كلام صاحب النهاية المتقدم، وقوله عليه السلام " إذا كان بالخيار " إلى آخره كناية عن تحقق البيع ولزومه واقعا، بمعنى أنه إذا تحقق البيع الأول وجميع شروط الصحة فلا بأس بشرائك منه، وكان العامة كانوا يشترطون الفصل بين البيعين بمدة مديدة، فقال عليه السلام: إنما هذا تقديم وتأخير، فلا مدخل له في الجواز ثم لا يخفى أن الخبر المذكور وإن كان مطلقا بالنسبة إلى التأجيل وعدمه، وحصول النفع وعدمه، إلا أنه يجب حمله على غيره من أخبار المسألة كالخبر المتقدم و غيره، وكان ذلك لمعلومية الحكم من لفظ العينة كما عرفت من معناها آنفا.
الثالث: ما رواه في الكافي والتهذيب عن منصور بن حازم (1) في الصحيح " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طلب من رجل ثوبا بعينة، فقال: ليس عندي وهذه دراهم فخذها واشتر بها فأخذها، واشترى ثوبا كما يريد، ثم جاء به ليشتريه منه؟ فقال: أليس إن ذهب الثوب فمن مال الذي أعطاه الدراهم؟ فقلت: بلى، فقال: إن شاء اشترى وإن شاء لم يشتر قال: فقال: لا بأس به ".
أقول: الاشتراء هنا قد وقع وكالة عن صاحب الدراهم، والغرض هنا إنما تعلق بالسؤال عن الشراء على هذه الكيفية، وقوله عليه السلام، " أليس إن ذهب الثوب " إلى آخره بمعنى أن ضمان الثوب على الذي أعطى الدراهم: وأن الذي اشتراه بالخيار بين أن يشتريه من صاحب الدراهم، وأن لا يشتريه، مما يوضح أن الشراء الأول إنما كان وكالة عن صاحب الدراهم، لا أنه أقرضه الدراهم فشرى بها لنفسه