اللهم إلا أن يقال: إن البناء هنا على الظاهر دون الأصل، باعتبار حمل أفعال المسلمين على الصحة، كما ورد في جملة من الأخبار من الأمر بحسن الظن بالمؤمن، حتى أن الفقهاء جعلوا هذا أصلا من الأصول المتداولة في كلامهم، وبنوا عليهم فروعا كثيرة، إلا أن هذا إنما يحسم مادة الاشكال الثاني، دون الأول، والله العالم.
الثالثة إذا ثبت الحجر على السفيه فباعه انسان كان البيع باطلا، فإن كان المبيع موجودا فلصاحبه استعادته، قالوا: ولا فرق في جواز استعادته مع وجوده بين كون من باعه عالما بالسفه أو جاهلا، لأن البيع في نفسه باطل، فله الرجوع في ماله متى وجده، وإن تلف وكان القبض بإذن صاحبه مع كونه عالما بالسفه، فإن تلفه من مال صاحبه، لأنه سلطه عليه مع علمه بأنه محجور عليه، وإن فرض فك الحجر عنه بعد ذلك، لأنه إذا لم يلزم حال الاتلاف لا يلزم بعد الفك.
وبالجملة فإن العلم بوجود السفه مانع من العوض، فإذا تلف والحال هذه ففك الحجر بعد ذلك لا أثر له في ضمانه، أما لو تلف والحال أن البايع جاهل بالسفه فالمشهور أن حكمه كذلك.
قيل: ووجهه أن البايع تصرف في معاملته قبل اختبار حاله، وعلمه بأن العوض المبذول منه ثابت أم لا، فهو مضيع لما له، ولا يخفى ما في هذا التعليل العليل من الضعف، فإنه لا قائل بتوقف صحة البيوع على اختبار البايع أو المشتري بكونه محجورا عليه أم لا، بل والأصل عدم ذلك.
وقد تقدم في سابق هذه المسألة ما يؤيده، وظهور المانع بعد ذلك لا يوجب ما ذكروه، ولهذا أن العلامة في التذكرة نقل عن بعض الشافعية أن السفيه إذا أتلف المال بنفسه ضمن بعد رفع الحجر، ثم قال: ولا بأس به، ومراده مع الجهل، وإلا فمع العلم لا خلاف ولا اشكال في كون تلفه من صاحبه، وأما إذا كان السفيه قد قبضه بغير إذن صاحبه وأتلفه، فإنه يضمنه مطلقا، سواء كان البايع عالما أو جاهلا، لأن البيع كما عرفت فاسد، فلا يقتضي الإذن في القبض، فيدخل فيمن تصرف في مال غيره بغير إذن، كما لو غصب مالا أو أتلفه بغير إذن مالكه، فإنه يضمنه