وحضرت يوم الخميس الأخماس وفي الوجوه صفرة وإبلاس دابر القوم: الذي يدبرهم، ويدبرهم لغتان: وهو الذي يتلوهم من خلفهم ويأتي على أعقابهم، وأنشد:
آل المهلب جز الله دابرهم أضحوا رمادا فلا أصل ولا طرف وقال الأصمعي: الدابر: الأصل، يقال قطع الله دابره أي: أصله، وأنشد:
فدى لكما رجلي، ورحلي، وناقتي غداة الكلاب إذ تجز الدوابر أي: يقتل القوم، فتذهب أصولهم، فلا يبقى لهم أثر. وقال غيره دابر الأمر آخره. وروي عن عبد الله أنه قال: (من الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبريا " بضم الدال: يعني في آخر الوقت، كذا يقول أصحاب الحديث. قال أبو زيد: الصواب دبريا بفتح الدال والباء.
الاعراب: (لولا) للتحضيض، ولا يدخل إلا على الفعل، ومعناه: هلا تضرعوا. (ولكن قست قلوبهم): معطوف على تأويل الكلام الأول، فإن في قوله:
" هلا تضرعوا) دلالة على أنهم لم يتضرعوا. وقوله (بغتة): مصدر وقع موقع الحال أي: أخذناهم مباغتين.
المعنى: ثم أعلم الله سبحانه نبيه، حال الأمم الماضية في مخالفة رسله، وبين أن حال هؤلاء إذا سلكوا طريق المخالفة، كحالهم في نزول العذاب بهم، فقال: (ولقد أرسلنا) وهاهنا محذوف وتقديره: رسلا، (إلى أمم من قبلك) فخالفوهم (فاخذناهم) وحسن الحذف للإيجاز به، والاختصار من غير إخلال، لدلالة مفهوم الكلام عليه (بالبأساء والضراء) يريد به: الفقر، والبؤس، والأسقام، والأوجاع، عن ابن عباس، والحسن. (لعلهم يتضرعون) ومعناه: لكي يتضرعوا.
وقال الزجاج: (لعل) ترج وهذا الترجي للعباد، المعنى: فأخذناهم بذلك، ليكون ما يرجوه العباد منهم من التضرع، كما قال في قصة فرعون: (لعله يتذكر أو يخشى). قال سيبويه: المعنى إذهبا أنتما على رجائكما، فالله عالم بما يكون من وراء. ذلك، أخبر الله تعالى أنه أرسل الرسل إلى أقوام بلغوا من القسوة إلى أن أخذوا بالشدة في أنفسهم وأموالهم، ليخضعوا ويذلوا لأمر الله، فلم يخضعوا ولم يتضرعوا،