أن يكونوا سبقوهم بفضيلة، أو خصوا بمنة. وقال أبو علي الجبائي: المعنى في فتنا: شددنا التكليف على أشراف العرب، بأن أمرناهم بالإيمان وبتقديمهم هؤلاء الضعفاء على نفوسهم، لتقدمهم إياهم في الإيمان، وهذا أمر كان شاقا عليهم، فلذلك سماه الله فتنة.
وقوله: (ليقولوا) أي: فعلنا هذا بهم ليقول بعضهم لبعض على وجه الاستفهام لا على وجه الانكار، أهؤلاء من الله عليهم بالإيمان إذا رأوا النبي يقدم هؤلاء عليهم، وليرضوا بذلك من فعل رسول الله، ولم يجعل هذه الفتنة والشدة في التكليف، ليقولوا ذلك على وجه الانكار، لأن إنكارهم لذلك كفر بالله، ومعصية، والله سبحانه، لا يريد ذلك، ولا يرضاه، ولأنه لو أراد ذلك وفعلوه، كانوا مطيعين له، لا عاصين، وقد ثبت خلافه. وقوله: (أليس الله بأعلم بالشاكرين) هذا استفهام تقرير أي: إنه كذلك، كقول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح (1) وهذا دليل واضح على أن فقراء المؤمنين وضعفاءهم، أولى بالتقريب والتقديم والتعظيم من أغنيائهم، ولقد قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: (من أتى غنيا فتواضع لغنائه ذهب ثلثا دينه).
وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم 54.
القراءة: قرأ أهل المدينة أنه من عمل بالفتح، فإنه بالكسر. وقرأ عاصم، وابن عامر، ويعقوب أنه فإنه بفتح الألف فيهما. وقرأ الباقون إنه فإنه بالكسر فيهما.
الحجة: قال أبو علي: من كسر فقال: (إنه من عمل) جعله تفسيرا للرحمة، كما أن قوله (لهم مغفرة وأجر عظيم) تفسير للوعد. وأما كسر (فإنه غفور