قيام الساعة.
قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون 188.
النزول: قيل إن أهل مكة قالوا: يا محمد! ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو، فتشتريه فتربح فيه، وبالأرض التي تريد أن تجدب، فنرتحل منها إلى أرض قد أخصبت؟ فأنزل الله هذه الآية.
المعنى: (قل) يا محمد (لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله) أن يملكني إياه، فأملكه بتمليكه إياي (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) وهاهنا محذوف آخر وهو قوله ولا أعلم الغيب إلا ما شاء الله أن يعلمنيه، ولو كنت أعلم الغيب لادخرت من السنة المخصبة للسنة المجدبة، ولاشتريت وقت الرخص لأيام الغلاء. وقيل معناه: لاستكثرت من الأعمال الصالحة قبل اقتراب الأجل، ولم أشتغل بغيرها، ولاخترت الأفضل فالأفضل، عن مجاهد، وابن جريج. وقيل معناه: لو كنت أعلم ما أسأل عنه من الغيب، لاستكثرت من الخير أي: لأجبت في كل ما أسأل عنه من الغيب في أمر الساعة وغيرها، عن الزجاج.
(وما مسني السوء) أي: وما أصابني الضر والفقر. وقيل معناه: وما بي جنون كما تزعمون فيكون ابتداء. وقيل معناه: وما مسني التكذيب منكم، لأني إذا كنت عالما بكل شئ، أجبت عن كل ما أسأل عنه، فتصدقونني ولا تكذبونني. وقيل معناه: وما مسني سوء من جهة الأعداء لأني كنت أعلم ذلك فأتحرز منه (إن أنا إلا نذير) مخوف بالعذاب (وبشير) مبشر بالثواب (لقوم يؤمنون) خصهم بالذكر، لأنهم المنتفعون بذلك كقوله: (إنما تنذر من اتبع الذكر) وإن كان ينذر غيرهم أيضا، وفي قوله (إلا ما شاء الله) دلالة على فساد مذهب المجبرة، لأن الأفعال كلها لو كانت مخلوقة لله، لما صح الاستثناء منها، لأن أحدا لا يملك عندهم شيئا، وفي قوله (لو كنت أعلم بالغيب لاستكثرت من الخير) دلالة على أن القدرة قبل الفعل، لأنها لو كانت مع الفعل، لما أمكنه الاستكثار من الخير إذا علم الغيب.
النظم: وجه اتصال الآية بما قبلها أنه لما تقدم إجابة القوم بأنه لا يعلم الغيب،