(من حليهم) التي استعاروها من قوم فرعون، وكانت بنو إسرائيل بمنزلة أهل الجزية في القبط، وكان لهم يوم عيد يتزينون فيه، ويستعيرون من القبط الحلي، فوافق ذلك عيدهم، فاستعاروا حلي القبط، فلما أخرجهم الله من مصر، وغرق فرعون، بقيت تلك الحلي في أيديهم، فاتخذ السامري منها (عجلا) وهو ولد البقرة (جسدا) أي: مجسدا لا روح فيه. وقيل: لحما ودما، عن وهب (له خوار) أي: صوت. وروي في الشواذ عن علي عليه السلام جؤار بالجيم والهمزة، وهو الصوت أيضا.
وفي كيفية خوار العجل، مع أنه مصوغ من ذهب، خلاف، فقيل: أخذ السامري قبضة من تراب أثر فرس جبرائيل عليه السلام، يوم قطع البحر، فقذف ذلك التراب في فم العجل، فتحول لحما ودما، وكان ذلك معتادا غير خارق للعادة، وجاز أن يفعل الله تعالى ذلك، بمجرى العادة، عن الحسن. وقيل: إنه احتال بإدخال الريح كما يعمل هذه الآلات التي تصوت بالحيل، عن الزجاج، والجبائي، والبلخي. وإنما أضاف سبحانه الصوت إليه، لأنه كان محله عند دخول الريح جوفه، وكان السامري عندهم، مهيبا مطاعا فيما بينهم، فأرجف أن موسى عليه السلام قد مات، لما لم يرجع على رأس الثلاثين، فدعاهم إلى عبادة العجل، فأطاعوه، ولم يطيعوا هارون، وعبدوا العجل، وعلى ما مر ذكره في سورة البقرة.
ثم أنكر سبحانه ذلك عليهم فقال: (ألم يروا) أي: ألم يعلموا (أنه لا يكلمهم) بما يجدي عليهم نفعا، أو يدفع عنهم ضررا. (ولا يهديهم سبيلا) أي:
لا يهديهم إلى خير ليأتوه، ولا إلى شر ليجتنبوه، دل سبحانه بهذا على فساد ما ذهبوا إليه، فإن من لا يتكلم في خير وشر، ولا يهدي إلى طريق، فهو جماد لا ينفع ولا يضر، فكيف يكون إلها معبودا (اتخذوه) أي: اتخذوه إلها وعبدوه (وكانوا ظالمين) باتخاذهم له إلها، واضعين للعبادة في غير موضعها.
ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين 149.
القراءة: (لئن لم ترحمنا بالتاء)، (ربنا) بالنصب، (وتغفر لنا) بالتاء