فإن قيل: وكيف دعاهم إلى الشهادة، ثم قال: فلا تشهد معهم؟ فالجواب:
إنه أمرهم أن يأتوا بالعدول الذين يشهدون بالحق، فإذا لم يجدوا ذلك، وشهدوا لأنفسهم، فلا ينبغي أن تقبل شهادتهم، أو تشهد معهم، لأنها ترجع إلى دعوى مجردة بعيدة من الصواب. وقيل: إنه سبحانه أراد هاتوا شهداء من غيركم، ولم يكن أحد غير العرب يشهد على ذلك، لأنه كان للعرب شرائع شرعوها لأنفسهم.
(ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا): الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمراد أمته، أي: لا تعتقد مذهب من اعتقد مذهبه هوى، ويمكن أن يتخذ الانسان المذهب هوى من وجوه، منها: أن يهوى من سبق إليه فيقلده فيه، ومنها: أن يدخل عليه شبهة، فيتخيله بصورة الصحيح، مع أن في عقله ما يمنع منها، ومنها: أن يقطع النظر دون غايته للمشقة التي تلحقه، فيعتقد المذهب الفاسد. ومنها: أن يكون نشأ على شئ وألفه واعتاده، فيصعب عليه مفارقته، وكل ذلك متميز مما استحسنه بعقله (والذين لا يؤمنون بالآخرة) أي: ولا تتبع أهواء الذين لا يؤمنون بالآخرة، إنما ذكر الفريقين، وإن كانوا كلهم كفارا، ليفصل وجوه كفرهم، لأن منه ما يكون مع الإقرار بالآخرة كحال أهل الكتاب، ومنه ما يكون مع الانكار كحال عبدة الأوثان (وهم بربهم يعدلون) أي: يجعلون له عدلا: وهو المثل. وفي الآية دلالة على فساد التقليد، لأنه سبحانه طالب الكفار على صحة مذهبهم، وجعل عجزهم عن الإتيان بها، دلالة على بطلان قولهم، وأيضا فإنه سبحانه أوجب اتباع الدليل، دون اتباع الهوى.
قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذالكم وصاكم لعلكم تعقلون 151.
اللغة: تعالوا: مشتق من العلو، على تقدير أن الداعي في المكان العالي، وإن كان في مستو من الأرض، كما يقال للإنسان: ارتفع إلى صدر المجلس.