أن يرجعوا عنها (قلنا لهم كونوا قردة) أي: جعلناهم قردة (خاسئين) مبعدين مطرودين، وإنما ذكر (كن) ليدل على أنه سبحانه لا يمتنع عليه شئ. وأجاز الزجاج أن يكون قيل لهم ذلك بكلام سمعوه، فيكون ذلك أبلغ في الآية النازلة بهم، وحكي ذلك عن أبي الهذيل، قال قتادة: صاروا قردة لها أذناب، تعاوي، بعد أن كانوا رجالا ونساء، وقيل: إنهم بقوا ثلاثة أيام ينظر إليهم الناس، ثم هلكوا، ولم يتناسلوا عن ابن عباس، قال: ولم يمكث مسخ فوق ثلاثة أيام. وقيل: عاشوا سبعة أيام، ثم ماتوا، عن مقاتل. وقيل: إنهم توالدوا عن الحسن. وليس بالوجه، لأن من المعلوم أن القردة ليست من أولاد آدم، كما أن الكلاب ليست منهم، ووردت الرواية عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله تعالى لم يمسخ شيئا فجعل له نسلا وعقبا).
القصة: قيل كانت هذه القصة في زمن داود عليه السلام. وعن ابن عباس قال:
أمروا باليوم الذي أمرتم به يوم الجمعة، فتركوه، واختاروا يوم السبت، فابتلوا به، وحرم عليهم فيه الصيد، وأمروا بتعظيمه، فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعا بيضا سمانا، حتى لا يرى الماء من كثرتها، فمكثوا كذلك ما شاء الله لا يصيدون، ثم أتاهم الشيطان، وقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت، فاتخذوا الحياض والشبكات. فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم السبت، ثم يأخذونها يوم الأحد. وعن ابن زيد قال: أخذ رجل منهم حوتا، وربط في ذنبه خيطا، وشده إلى الساحل، ثم أخذه يوم الأحد وشواه، فلاموه على ذلك، فلما لم يأته العذاب أخذوا ذلك، وأكلوه، وباعوه، وكانوا نحوا من اثني عشر ألفا، فصار الناس ثلاث فرق، على ما تقدم ذكره، فاعتزلتهم الفرقة الناهية، ولم تساكنهم، فأصبحوا يوما ولم يخرج من العاصية أحد، فنظروا فإذا هم قردة، ففتحوا الباب ودخلوا، فكانت القردة تعرفهم، وهم لا يعرفونها، فجعلت تبكي، فإذا قالوا لهم: ألم ننهكم؟ قالت برؤوسها أن نعم. قال قتادة: صارت الشبان قردة، والشيوخ خنازير.
وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم 167 وقطعناهم في