توصل إلى العلم، ويكون المكلف مزاح العلة في تكليفه ذلك، فأما ما لا يعرف إلا بقول الإمام من الأحكام، ولا يكون على ذلك دليل إلا من جهته، فلا يجوز عليه التقية فيه. وهذا كما إذا تقدم من النبي بيان في شئ من الأشياء الشرعية، فإنه يجوز منه أن لا يبين في حال أخرى لأمته ذلك الشئ، إذا اقتضته المصلحة. ألا ترى إلى ما روي أن عمر بن الخطاب سأله عن الكلالة فقال: يكفيك آية السيف!
وأما النسيان والسهو، فلم يجوزوهما عليهم، فيما يؤدونه عن الله تعالى، فأما ما سواه فقد جوزوا عليهم أن ينسوه، أو يسهوا عنه، ما لم يؤد ذلك إلى إخلال بالعقل، وكيف لا يكون كذلك، وقد جوزوا عليهم النوم والإغماء، وهما من قبيل السهو؟ فهذا ظن منه فاسد، وإن بعض الظن إثم.
(وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ) أي: ليس على المؤمنين الذين اتقوا معاصي الله سبحانه من حساب الكفرة شئ، بحضورهم مجلس الخوض (ولكن ذكرى لعلهم يتقون، أي: نهوا عن مجالستهم ليزدادوا تقى، وأمروا أن يذكروهم وينبهوهم على خطاياهم، لكي يتقي المشركون إذا رأوا إعراض هؤلاء المؤمنين عنهم، وتركهم مجالستهم، فلا يعودون لذلك، عن أكثر المفسرين.
وقيل: معناه ليس على المتقين من الحساب يوم القيامة مكروه، ولا تبعة، ولكنه أعلمهم أنهم محاسبون، وحكم بذلك عليهم لكي يعلموا أن الله يحاسبهم، فيتقوا، عن البلخي. فالهاء والميم على الوجه الأول يعود إلى الكفار، وفي الثاني إلى المؤمنين.
وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولى ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون 70.
اللغة: يقال أبسلته بجريرته أي: أسلمته بها. والمستبسل: المستسلم الذي يعلم أنه لا يقدر على التخلص، قال الشاعر: