استبطاء في التذكر وخرج مخرج الخبر، والمراد به الأمر، فمعناه تذكروا كثيرا ما يلزمكم من أمر دينكم، وما أوجبه الله عليكم. ومعنى التذكر أن يأخذ في الذكر شيئا بعد شئ، مثل التفقه، والتعلم.
وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أوهم قائلون 4 فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين 5.
الاعراب: كم لفظة موضوعة للتكثير، ورب للتقليل، وإنما كان كذلك لأن رب حرف، وكم اسم. والتقليل: ضرب من النفي، وكم يدخل في الخبر بمعنى التكثير، فأما في الاستفهام فلا، لأن الاستفهام موكول إلى بيان المجيب، وإنما دخلها التكثير لأن استبهام العدد عن أن يظهر، أو يضبط، إنما يكون لكثرته في غالب الأمر، وكم مبهمة، قال الفرزدق:
كم عمة لك يا جرير وخالة فدعاء قد حلبت علي عشاري (1) فدل بكم على كثرة العمات والخالات. وموضع (كم) في الآية رفع بالابتداء، وخبرها (أهلكناها) ولو جعلتها في موضع نصب جاز، كما تقول في قوله سبحانه (إنا كل شئ خلقناه بقدر) والأول أجود. وقيل في دخول الفاء في قوله (فجاءها بأسنا بياتا)، مع أن الفاء للتعقيب، أقوال أحدها: أهلكناها في حكمنا، فجاءها بأسنا والثاني: أهلكناها بإرسال ملائكة العذاب إليها، فجاءها بأسنا والثالث:
إنه مثل زرتني فأكرمتني، فإن نفس الإكرام هي الزيارة.
قال علي بن عيسى: وليس هذا مثل ذلك، لأن هذا إنما جاز لأنه قصد الزيارة، ثم الإكرام بها. والرابع: أهلكناها فصح أنه جاءها بأسنا. وقال الفراء: إن الفاء هاهنا بمعنى الواو، ورد عليه علي بن عيسى، بأنه نقل حرف عن معناه بغير دليل، وذلك لا يجوز.
وقوله (أو هم قائلون). قال الفراء: واو الحال مقدرة فيه، وتقديره أو وهم قائلون،