(ما لم ينزل به عليكم سلطانا) أي: حجة على صحته. وهذا يدل على أن كل من قال قولا، أو اعتقد مذهبا بغير حجة، فهو مبطل (فأي الفريقين أحق بالأمن) أنحن، وقد عرفنا الله بأدلته، ووجهنا العبادة نحوه، أم أنتم وقد أشركتم بعبادة غيره من الأصنام. ولو اطرحتم العصبية والحمية، لما وجدتم لهذا الحجاج مدفعا (إن كنتم تعلمون) أي: تستعملون عقولكم، فتميزون الحق عن الباطل، والدليل من الشبهة.
الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون 82.
اللغة: قال الأصمعي: الظلم في اللغة: وضع الشئ في غير موضعه، قال الشاعر يمدح قوما (هرت الشقاشق ظلامون للجزر) (1): يريد أنهم عرقبوها، فوضعوا النحر غير موضعه. وقال النابغة: " والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد) (2): يريد الأرض التي صرف عنها المطر، وإنما سماها مظلومة، لأنهم يتحوضون فيها حوضا، لم يحكموا صنعه، ولم يضعوه في موضعه، لكونهم مسافرين.
المعنى: لما تقدم قوله سبحانه: (فأي الفريقين أحق بالأمن) أي: بأن يأمن من العذاب، الموحد أم المشرك، عقبه ببيان من هو أحق به فقال: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) معناه: الذين عرفوا الله تعالى، وصدقوا به، وبما أوجبه عليهم، ولم يخلطوا ذلك بظلم. والظلم هو الشرك، عن ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وقتادة، ومجاهد، وأكثر المفسرين. وروي عن أبي بن كعب، أنه قال:
ألم تسمع قوله سبحانه (إن الشرك لظلم عظيم)، وهو المروي عن سلمان الفارسي، وحذيفة بن اليمان.
وروي عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية، شق على الناس،