أي: ينصر المطيعين له، المجتنبين معاصيه، تارة بالدفع عنهم، وأخرى بالحجة (والذين تدعون من دونه) آلهة (لا يستطيعون نصركم) أي: لا يقدرون على أن ينصروكم، ولا أن يدفعوا عنكم (ولا أنفسهم ينصرون) كرر هذا لأن ما تقدم، فإنه على وجه التقريع والتوبيخ، وما ذكره هنا، فإنه على وجه الفرق بين صفة من يجوز له العبادة، وصفة من لا يجوز له العبادة، فكأنه قال: إن من أعبده ينصرني ومن تعبدونه لا يقدر على نصركم، ولا على نصر نفسه (وإن تدعوهم) يعني: إن دعوتم هؤلاء الذين تعبدونهم من الأصنام (إلى الهدى) أي: إلى الرشد والمنافع، عن الجبائي، والفراء. وقيل: معناه وإن دعوتم المشركين إلى الدين، عن الحسن (لا يسمعوا) أي: لا يسمعوا دعاءكم وتراهم فاتحة أعينهم نحوكم على ما صورتموهم عليه من الصور. وقال الجبائي: جعل الله انفتاح عيونهم في مقابلتهم، نظرا منهم إليهم مجازا، لأن النظر، تقليب الحدقة الصحيحة نحو المرئي طلبا لرؤيته، وذلك لا يتأتى في الجماد، ويقال تناظر الحائطان: إذا تقابلا. وقيل: معناه لا يقبلوا، ومنه سمع الله لمن حمده (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) الحجة، يعني مشركي العرب، عن الحسن، ومجاهد، والسدي.
خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين 199 وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم 200.
اللغة: قد مر ما قيل في العفو عند قوله: (قل العفو) في سورة البقرة.
والعرف: ضد النكر، ومثله المعروف والعارفة: وهو كل خصلة حميدة تعرف صوابها العقول، وتطمئن إليها النفوس، قال الشاعر: (لا يذهب العرف بين الله والناس) والنزغ: الإزعاج بالإغراء، وأكثر ما يكون ذلك عند الغضب، وأصله الإزعاج بالحركة، نزغه ينزغه نزغا. وقيل: النزغ الفساد، ومنه نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي أي: أفسد. قال الزجاج: النزغ أدنى حركة تكون، ومن الشيطان أدنى وسوسة.
المعنى: لما أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، بالدعاء إليه، وتبليغ رسالته، علمه محاسن الأفعال، ومكارم الأخلاق والخصال، فقال: (خذ العفو) أي: خذ يا محمد ما عفا من أموال الناس، أي: ما فضل من النفقة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم