الله إياها، وخلقه لها، ودلالتها على أ ن لها صانعا. وقيل: إنما مثلت الأمم من غير الناس بالناس، في الحاجة إلى مدبر يدبرهم، في أغذيتهم، وأكلهم ولباسهم، ونومهم، ويقظتهم، وهدايتهم إلى مراشدهم، إلى ما لا يحصى كثرة من أحوالهم، ومصالحهم، وأنهم يموتون، ويحشرون. وبين بهذه الآية أنه لا يجوز للعباد أن يتعدوا في ظلم شئ منها، فإن الله خالقها وا المنتصف لها.
(ما فرطنا في الكتاب من شئ) أي: ما تركنا. وقيل: معناه ما قصرنا واختلف في معنى الكتاب على أقوال أحدها: إنه يريد بالكتاب القرآن، لأنه ذكر جميع ما يحتاج إليه من أمور الدين والدنيا، إما مجملا، وإما مفصلا. والمجمل قد بينه على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وأمرنا باتباعه في قوله: (ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا). وهذا مثل قوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ).
ويروى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (مالي لا ألعن من لعنه الله في كتابه، يعني الواشمة والمستوشمة، والواصلة والمستوصلة - فقرأت المرأة التي سمعت ذلك منه جميع القرآن، ثم أتته وقالت: يا ابن أم عبد! تلوت البارحة ما بين الدفتين، فلم أجد فيه لعن الواشمة! فقال: لو تلوتيه لوجدتيه قال الله تعالى (ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وإن مما أتانا رسول الله أن قال: (لعن الله الواشمة والمستوشمة). وهو قول، أكثر المفسرين، وهذا القول اختيار البلخي.
وثانيها: إن المراد بالكتاب ههنا الكتاب الذي هو عند الله، عز وجل، المشتمل على ما كان ويكون، وهو اللوح المحفوظ، وفيه آجال الحيوان، وأرزاقه، وآثاره، ليعلم ابن آدم أن عمله أولى بالإحصاء والاستقصاء، عن الحسن. وثالثها:
إن المراد بالكتاب الأجل أي: ما تركنا شيئا إلا وقد أوحينا له أجلا، ثم يحشرون جميعا، عن أبي مسلم وهذا الوجه بعيد.
(ثم إلى ربهم يحشرون) معناه: يحشرون إلى الله بعد موتهم يوم القيامة، كما يحشر العباد، فيعوض الله تعالى ما يستحق العوض منها، وينتصف لبعضها من بعض، وفيما رووه عن أبي هريرة أنه قال: يحشر الله الخلق يوم القيامة: البهائم والدواب والطير، وكل شئ، فيبلغ من عدل الله يومئذ أن يأخذ للجماء (1) من