قال ابن عباس: (أول من قاس إبليس فأخطأ القياس، فمن قاس الدين بشئ من رأيه، قرنه الله بإبليس). وقال ابن سيرين: (أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس). ووجه دخول الشبهة على إبليس أنه ظن أن النار إذا كانت أشرف من الطين، لم يجز أن يسجد الأشرف للأدون، وهذا خطأ لأن ذلك تابع لما يعلم الله سبحانه من مصالح العباد. وقد قيل أيضا: إن الطين خير من النار، لأنه أكثر منافع للخلق من حيث إن الأرض مستقر الخلق، وفيها معايشهم، ومنها يخرج أنواع أرزاقهم، والخيرية إنما يراد بها كثرة المنافع، دون كثرة الثواب، لأن الثواب لا يكون إلا للمكلف المأمور، دون الجماد.
(قال) أي: قال الله سبحانه لإبليس (فاهبط) أي: انزل وانحدر (منها) أي: من السماء، عن الحسن. وقيل: من الجنة. وقيل: معناه انزل عما أنت عليه من الدرجة الرفيعة، والمنزلة الشريفة، التي هي درجة متبعي أمر الله سبحانه، وحافظي حدوده، إلى الدرجة الدنية التي هي درجة العاصين، المضيعين أمر الله (فما يكون لك أن تتكبر، عن أمر الله (فيها) أي: في الجنة، أو في السماء، فإنها ليست بموضع المتكبرين، وإنما موضعهم النار كما قال (أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) (فاخرج) من المكان الذي أنت فيه، أو المنزلة التي أنت عليها (إنك من الصاغرين) أي: من الأذلاء بالمعصية في الدنيا، لأن العاصي ذليل عند من عصاه، أو بالعذاب في الآخرة، لأن المعذب ذليل.
وهذا الكلام إنما صدر من الله سبحانه على لسان بعض الملائكة، عن الجبائي. وقيل: إن إبليس رأى معجزة تدله على أن ذلك كلام الله، وقوله سبحانه:
(فما يكون لك أن تتكبر فيها) لا يدل على أنه يجوز التكبر في غير الجنة، فإن التكبر لا يجوز على حال، لأنه إظهار كبر النفس على جميع الأشياء، وهذا في صفة العباد ذم، وفي صفة الله سبحانه مدح، إلا أن إبليس تكبر على الله سبحانه في الجنة، فأخرج منها قسرا، ومن تكبر خارج الجنة، منع من ذلك بالأمر والنهي.
قال أنظرني إلى يوم يبعثون 14 قال إنك من المنظرين 15 قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم 16 ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم