المعنى: ثم أمر سبحانه نبيه بتعظيم المؤمنين، فقال: (وإذا جاءك) يا محمد (الذين يؤمنون) أي: يصدقون (بآياتنا) أي: بحججنا وبراهيننا (فقل سلام عليكم) ذكر فيه وجوه، أحدها: إنه أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يسلم عليهم من الله تعالى، فهو تحية من الله على لسان نبيه صلى اله عليه واله وسلم، عن الحسن. وثانيها: إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يسلم عليهم تكرمة لهم، عن الجبائي. وثالثها: إن معناه اقبل عذرهم واعترافهم، وبشرهم بالسلامة مما اعتذروا منه، عن ابن عباس.
(كتب ربكم) أي: أوجب ربكم (على نفسه الرحمة) إيجابا مؤكدا، عن الزجاج قال: إنما خوطب الخلق بما يعقلون، وهم يعقلون أن الشئ المؤخر إنما يحفظ بالكتاب. وقيل: معناه كتبه في اللوح المحفوظ، وقد سبق بيان هذا في أول السورة (أنه من عمل منكم سوء بجهالة). قال الزجاج: يحتمل الجهالة ههنا وجهين أحدهما: إنه عمله وهو جاهل بمقدار المكروه فيه أي: لم يعرف أن فيه مكروها والآخر: إنه علم أن عاقبته مكروهة، ولكنه آثر العاجل، فجعل جاهلا بأنه آثر النفع القليل على الراحة الكثيرة، والعافية الدائمة، وهذا أقوى. ومثله قوله سبحانه (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة) الآية وقد ذكرنا ما فيه هناك (ثم تاب من بعده وأصلح) أي: رجع عن ذنبه، ولم يصر على ما فعل، وأصلح عمله (فإنه غفور رحيم).
وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين 55.
القراءة: قرأ أهل المدينة: (ولتستبين) بالتاء (سبيل) بالنصب. قرأ أهل الكوفة، غير حفص: (وليستبين) بالياء، (سبيل) بالرفع. وقرأ زيد، عن يعقوب: (وليستبين) بالياء، (سبيل) بالنصب. وقرأ الباقون: (ولتستبين) بالتاء (سبيل) با لرفع.
الحجة: من قرأ (لتستبين) بالتاء (سبيل) رفعا، جعل السبيل فاعلا، وأنثه كما في قوله: (قل هذه سبيلي). قال سيبويه: استبان الشئ واستبنته. ومن قرأ (ولتستبين) بالتاء، (سبيل) نصبا، ففي الفعل ضمير المخاطب، و (سبيل) مفعوله، وهو على قولك استبنت الشئ. ومن قرأ بالياء، (سبيل) رفعا فالفعل مسند إلى السبيل، إلا أنه ذكر كما في قوله سبحانه: (يتخذوه سبيلا) والمعنى: