مما يريد الله بها، كانت في معنى العباد، فإن التعبيد: التذليل. وطريق معبد:
موطوء مسلوك، ومنه قوله (وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل) أي:
ذللتهم واستخدمتهم ضروبا من الخدمة (فادعوهم) هذا الدعاء ليس الدعاء الأول، والمراد به فادعوهم في مهماتكم، ولكشف الأسواء عنكم (فليستجيبوا لكم) هذه لام الأمر على معنى التعجيز والتهجين، كما قال (هاتوا برهانكم).
(إن كنتم صادقين) قال ابن عباس: معناه فاعبدوهم هل يثيبونكم، أو يجاوزونكم إن كنتم صادقين، إن لكم عندها منفعة وثوابا، أو شفاعة ونصرة. ثم فضل سبحانه بني آدم عليهم، فقال (ألهم أرجل يمشون بها) أي: لهؤلاء الأصنام أرجل يمشون بها في مصالحكم (أم لهم أيد يبطشون بها) أي: يأخذون بها في الدفع عنكم، ومعنى البطش: التناول والأخذ بشدة (أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها) أي: ليس لهم هذه الحواس، ولكم هذه الحواس، فأنتم أفضل منهم، فلو دعوتم وعبدتم من له الحياة ومنافعها، للزمكم الذم واللوم بذلك، لأنها مخلوقة مربوبة، فكيف تعبدون من أنتم أفضل منه؟ ثم زاد سبحانه في تهجينهم، فقال: (قل) يا محمد (ادعوا شركاءكم) أي: هذه الأوثان التي تزعمون أنها آلهة، وتشركونها في أموالكم، وتجعلون لها حظا من المواشي وغيرها، وتوجهون عبادتكم إليها إشراكا بالله لها (ثم كيدون) بأجمعكم (فلا تنظرون) أي:
لا تؤخروني، ومعناه. إن معبودي ينصرني، ويدفع كيد الكائدين عني، ومعبودكم لا يقدر على نصركم، فإن قدرتم على ضر، فاجتمعوا أنتم مع أصنامكم، وتظاهروا على كيدي، ولا تمهلوني في الكيد والإضرار، فإن معبودي يدفع كيدكم عني.
إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين 196 والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون 197 وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون 198.
المعنى: ثم بين سبحانه بعد أن ناصر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وحافظه، فأمره أن يقول للمشركين: (إن وليي) أي: ناصري وحافظي، ودافع شركم عني (الله الذي نزل الكتاب) أي: القرآن، يؤيدني بنصره، كما أنزله علي (وهو يتولى الصالحين)