وقومه.
(فغلبوا هنالك) أي: قهر فرعون وقومه عند ذلك المجمع، وبهت فرعون، وخلى سبيل موسى، ومن تبعه (وانقلبوا صاغرين) أي: انصرفوا أذلاء مقهورين (وألقي السحرة ساجدين) يعني: إن السحرة لما شاهدوا تلك الآيات، وعلموا أنها من عند الله تعالى، آمنوا بالله تعالى، وبموسى، وسجدوا لله ألهمهم الله ذلك.
وقيل: إن موسى وهارون سجدا لله تعالى شكرا له على ظهور الحق، فاقتدوا بهما فسجدوا معهما، وإنما قال (ألقي) على ما لم يسم فاعله، ليكون فيه معنى إلقائهم ما رأوا من عظيم آيات الله، بأن دعاهم إلى السجود لله، والخضوع له، عزت قدرته، وأنهم لم يتمالكوا أنفسهم، عند ذلك، بأن وقعوا ساجدين. وهذا كما يقال: أعجب فلان بنفسه، وإن كان أتي من قبله، وليس يفعل ذلك به غيره.
(قالوا آمنا) أي: صدقنا (برب العالمين) الذي خلق السماوات والأرض، وما بينهما (رب موسى وهارون) خصوهما بالذكر بعد دخولهما في جملة العالمين، لأنهما دعوا إلى الإيمان بالله تعالى، ولشريف ذكرهما ولتفضيلهما على غيرهما، على طريق المدحة والتعظيم لهما. وقيل: إنهم فسروا سجودهم بأن (قالوا آمنا برب العالمين) لئلا يتوهم متوهم أنهم سجدوا لفرعون، ثم قالوا: (رب موسى وهارون) لأن فرعون كان يدعي أنه رب العالمين، فأزالوا به الإبهام، لئلا يتوهم الجهال، أنهم عنوا بقولهم رب العالمين فرعون.
وقال علي بن عيسى: يجوز أن يقال إن الله سبحانه، لم يزل ربا، ولا مربوب، كما جاز لم يزل سميعا ولا مسموع، لأنها صفة غير جارية على الفعل، كما جرى صفة مالك على ملك يملك، فالمقدور هو المملوك، ولا يطلق الرب إلا على الله تعالى، لأنه يقتضي أنه رب كل شئ يصح ملكه، ويقال في غيره: رب الدار، ورب الفرس، ومثل (خالق) لا يطلق إلا عليه سبحانه، ويقال في غيره: خالق الأديم.
قال فرعون آمنتم قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون 123 لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم