يكن لتعليله بأنه لم يظهر هذه الآيات لعلمه بأنه لو فعلها لم يؤمنوا معنى.
وفيها أيضا دلالة على أن إرادته محدثة، لأن الاستثناء يدل على ذلك، إذ لو كانت قديمة، لم يجز هذا الاستثناء، ولم يصح كما كان لا يصح لو قال ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يعلم الله، وإلا أن يقدر الله لحصول هاتين الصفتين فيما لم يزل. ومتى قيل: فلم لا يقال إنهم لم يؤمنوا لأنه سبحانه يعلم أنه لم يشأ؟ فالقول فيه: إنه لو كان كذلك، لكان وقوع الإيمان منهم موقوفا على المشيئة، سواء كانت الآيات، أم لم تكن، وفي هذا إبطال للآيات.
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانسان والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون. 112 ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالأخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون 113 القراءة: في الشواذ عن الحسن (ولتصغي إليه) (وليرضوه) (وليقترفوا) بسكون اللام في الجميع، والقراءة الظاهرة بكسر اللام في سائرها.
الحجة: قال أبو الفتح: هذه اللام هي الجارة أعني لام كي، وهي معطوفة على الغرور من قوله (يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) أي: للغرور، ولأن تصغي (إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا) إلا أن إسكان هذه اللام شاذ في الاستعمال على قوته في القياس، لأن هذا الإسكان إنما كثر عنهم في لام الأمر، نحو قوله تعالى (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا) وإنما أسكنت تخفيفا لثقل الكسرة فيها، وفرقوا بينها وبين لام كي، بأن لم يسكنوها، وكأنهم إنما اختاروا السكون للام الأمر، والتحريك للام كي، من حيث كانت لام كي نائبة في أكثر الأمر، عن أن، وهي أيضا في جواب كان سيفعل إذا قلت ما كان ليفعل، محذوفة مع اللام البتة، فلما نابت عنها، قووها بإقرار حركتها فيها، لأن الحرف المتحرك أقوى من الساكن، والأقوى أشبه بأن ينوب عن غيره من الأضعف.
اللغة: الزخرف: المزين، يقال زخرفه زخرفة، إذا زينه. والزخرف: كمال