(وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر) أي: مثل ذلك الذي قصصنا عليك، زين للكافرين عملهم، ومثل ذلك جعلنا في كل قرية أكابر (مجرميها) وجعلنا ذا المكر من المجرمين، كما جعلنا ذا النور من المؤمنين، فكل ما فعلنا بهؤلاء، فعلنا بأولئك، إلا أن أولئك اهتدوا بحسن اختيارهم، وهؤلاء ضلوا بسوء اختيارهم، لأن في كل واحد منهم الجعل بمعنى الصيرورة، إلا أن الأول باللطف، والثاني بالتمكين من المكر.
وإنما خص أكابر المجرمين بذلك دون الأصاغر لأنه أليق بالاقتدار على الجميع، لأن الأكابر إذا كانوا في قبضة القادر، فالأصاغر بذلك أجدر، واللام في قوله (ليمكروا فيها) لام العاقبة ويسمى لام الصيرورة، كما في قوله سبحانه (ليكون لهم عدوا وحزنا)، وكما قال الشاعر:
فأقسم لو قتلوا مالكا لكنت لهم حية راصدة وأم سماك فلا تجزعي فللموت ما تلد الوالدة (وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون) لأن عقاب ذلك يحل بهم، ولا يصح أن يمكر الانسان بنفسه على الحقيقة، لأنه لا يصح أن يخفى عن نفسه معنى ما يحتال به عليها، ويصح أن يخفى ذلك عن غيره، وفائدة الآية: إن أكابر مجرميها، لم يمكروا بالمؤمنين على وجه المغالبة لله، إذ هم كأنه سبحانه جعلهم ليمكروا، وهذه مبالغة في انتفاء صفة المغالبة.
وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون 124.
القراءة: قرأ ابن كثير، وحفص: (رسالته) على التوحيد، ونصب التاء.
والباقون: (رسالاته) على الجمع.
الحجة: من وحد فلأن الرسالة تدل على القلة والكثرة، لكونها مصدرا.
ومن جمع فلما تكرر من رسالات الله سبحانه، مرة بعد أخرى.