معرفة لا يتخالجهم فيها الشك، لما يشاهدونه من الآيات الملجئة لهم إلى المعارف.
وأما التوجع والتمني للخلاص، والدعاء للفرج، فيجوز أن يقع منهم ذلك، عن البلخي. وثانيها: إن التمني قد يجوز فيما يعلم أنه لا يكون، ولهذا قد يقع التمني على أن لا يكون ما قد كان، وأن لا يكون فعل ما قد فعله، وتقضى وقته. وثالثها:
إنه لا مانع من أن يقع منهم التمني للرد، ولأن يكونوا من المؤمنين، عن الزجاج.
وفي الناس من جعل بعض الكلام تمنيا، وبعضه إخبارا، وعلق تكذيبهم بالخبر دون (ليتنا) وهذا إنما ينساق في قراءة من رفع (ولا نكذب) (ونكون) على معنى:
فإنا لا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين، فيكونون قد أخبروا بما علم الله أنهم فيه كاذبون، وإن لم يعلموا من أنفسهم مثل ذلك، فلهذا كذبهم.
وذكر أن أبا عمرو بن العلاء استدل على قراءته بالرفع في الجميع، بأن قوله:
(وإنهم لكاذبون) فيه دلالة على أنهم أخبروا بذلك عن أنفسهم، ولن يتمنوه، لأن التمني لا يقع فيه الكذب وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين 29 ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون 30 المعنى: ثم أخبر سبحانه عن الكفار الذين ذكرهم قبل هذه الآية، وإنكارهم البعث والنشور، والحشر، والحساب، فقال: (وقالوا إن هي) أي: ما هي (إلا حياتنا الدنيا) عنوا بذلك أنه لا حياة لنا في الآخرة، وإنما هي هذه التي حيينا بها في الدنيا (وما نحن بمبعوثين) أي: لسنا بمبعوثين بعد الموت.
ثم خاطب سبحانه نبيه، صلى الله عليه وآله، فقال: (ولو ترى) يا محمد (إذ وقفوا على ربهم) ليس يصح في هذه الآية شئ من الوجوه التي ذكرناها في قوله: (ولو ترى إذ وقفوا على النار) إلا وجها واحدا، وهو ان المعنى: عرفوا ربهم ضرورة، كما يقال: وقفته على كلام فلان أي: عرفته إياه. وقيل أيضا: إن المعنى: وقفوا على ما وعدهم ربهم من العذاب الذي يفعله بالكفار، والثواب الذي يفعله بالمؤمنين، في الآخرة، وعرفوا صحة ما أخبرهم به من الحشر والحساب.