(يرى) في اللفظ، وقد عمل في معناه، وانتقل من الخبر إلى الخطاب في قوله:
(ما لم نمكن لكم) اتساعا في الكلام. وقد قال: (مكناهم في الأرض)، وإنما لم يقل: ما لم نمكنكم، لأن العرب تقول: مكنته، ومكنت له، كما تقول نصحته، ونصحت له.
المعنى: ثم حذرهم سبحانه ما نزل بالأمم قبلهم، فقال: (ألم يروا) أي:
ألم يعلم هؤلاء الكفار (كم أهلكنا من قبلهم من قرن) أي: من أمة، وكل طبقة، مقترنين في وقت قرن. (مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم) معناه: جعلناهم ملوكا وأغنياء، كأنه سبحانه أخبر النبي عنهم في صدر الكلام، ثم خاطبه معهم.
وقال ابن عباس: يريد أعطيناهم ما لم نعطكم، والمعنى: وسعنا عليهم في كثرة العبيد، والأموال، والولاية، والبسطة، وطول العمر، ونفاذ الأمر، وأنتم تسمعون أخبارهم، وترون ديارهم، وآثارهم.
(وأرسلنا السماء عليهم مدرارا) قال ابن عباس: يريد به الغيث، والبركة، (والسماء) معناه: المطر هنا. (وجعلنا الأنهار) أي: ماء الأنهار (تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم) ولم يغن ذلك عنهم شيئا لما طغوا، واجترؤوا علينا (وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين) أي: خلقنا من بعد هلاكهم جماعة أخرى.
وفي هذه الآية دلالة على وجوب التفكر والتدبر، واحتجاج على منكري البعث بأن من أهلك من قبلهم، وأنشأ قوما آخرين، قادر على أن يفني العالم، وينشئ عالما آخر، ويعيد الخلق بعد الإفناء. ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين 7 النزول: نزلت في نضر بن الحرث، وعبد الله بن أبي أمية، ونوفل بن خويلد، قالوا: يا محمد! لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب الله، ومعه أربعة من الملائكة يشهدون عليه، أنه من عند الله، وأنك رسوله، عن الكلبي.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن عنادهم فقال: (ولو نزلنا عليك) يا محمد (كتابا في قرطاس) أي: كتابة في صحيفة،؟ وأراد بالكتاب المصدر، وبالقرطاس