فلما خرج من عنده متوجها إلى مصر. ورأى نارا، وأتى الشجرة، فناداه الله تعالى أن يا موسى إني انا الله، وأمره بإلقائها، فألقاها فصارت حية، فولى هاربا، فناداه الله سبحانه (خذها ولا تخف) فأدخل يده بين لحييها، فعادت عصا.
فلما أتى فرعون ألقاها بين يديه على ما تقدم بيانه. وقيل: كان الأنبياء عليهم السلام يأخذون العصا تجنبا من الخيلاء، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تعصوا فإنها من سنن إخواني المرسلين). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من خرج في سفر ومعه عصا من لوز مر، وتلا هذه الآية (ولما توجه تلقاء مدين) إلى قوله (والله على ما نقول وكيل) آمنه الله من كل سبع ضار، ومن كل لص عاد، ومن كل ذات حمة، حتى يرجع إلى أهله ومنزله، وكان معه سبعة وسبعون من المعقبات، يستغفرون له حتى يرجع ويضعها). وقيل: إن أول من أخذ العصا عند الخطبة في العرب: قس بن ساعدة.
قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عظيم 109 يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون 110 قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين 111 يأتوك بكل ساحر عليم 112.
القراءة: قرأ أهل المدينة، والكسائي، وخلف: (ارجه) بكسر الهاء بغير همز بين الجيم والهاء، إلا أن نافعا، والكسائي، وخلفا، يشبعون كسرة الهاء، ولا يشبع أبو جعفر. وقالون عن نافع بل يكسران الهاء بغير همز بين الجيم والهاء. وقرأ عاصم وحمزة (ارجه) بغير همز وسكون الهاء، وقرأ الباقون: (أرجئه) بالهمز وضم الهاء، وفي الشعراء مثله. وقرأ (بكل سحار) بألف بعد الحاء كوفي، غير عاصم هاهنا، وفي يونس وقرأ الباقون (ساحر) بألف قبل الحاء في السورتين، ولم يختلفوا في الشعراء أن الألف بعد الحاء هناك.
الحجة: قال أبو علي: (أرجئه) أفعله من الإرجاء وهو التأخير، ولا بد من ضم الهاء مع الهمزة، ولا يجوز غيره، وأن لا يبلغ الواو أحسن، لأن الهاء خفية، فلو بلغ بها الواو، لكان كأنه جمع بين ساكنين، ومن قال (أرجئهو) فألحق الواو،