وفيها تنبيه لمشركي العرب، وزجر لهم عن عبادة الأصنام وحث لهم على سلوك طريق أبيهم إبراهيم عليه السلام، في النظر والتفكر، لأنهم كانوا يعظمون آباءهم، فأعلمهم سبحانه أن اتباع الحق من دين إبراهيم الذي يقرون بفضله، أوجب عليهم.
القصة: ذكر أهل التفسير والتاريخ أن إبراهيم عليه السلام ولد في زمن نمرود بن كنعان، وزعم بعضهم أن نمرود كان من ولاة كيكاوس، وبعضهم قال: كان ملكا برأسه، وقيل لنمرود: انه يولد في بلده هذه السنة، مولود، يكون هلاكه وزوال ملكه على يده. ثم اختلفوا فقال بعضهم: إنما قالوا ذلك من طريق التنجيم والتكهن.
وقال آخرون: بل وجد ذلك في كتب الأنبياء، وقال آخرون: رأى نمرود كأن كوكبا طلع، فذهب بضوء الشمس والقمر، فسأل عنه فعبر، بأنه يولد غلام يذهب ملكه على يده، عن السدي. فعند ذلك أمر بقتل كل ولد يولد تلك السنة، وأمر بأن يعزل الرجال عن النساء، وبأن يتفحص عن أحوال النساء، فمن وجدت حبلى تحبس حتى تلد، فإن كان غلاما قتل، وإن كانت جارية خليت، حتى حبلت أم إبراهيم.
فلما دنت ولادة إبراهيم خرجت أمه هاربة، فذهبت به إلى غار، ولفته في خرقة، ثم جعلت على باب الغار صخرة، ثم انصرفت عنه، فجعل الله رزقه في إبهامه. فجعل يمصها فتشخب لبنا. وجعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة، ويشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر، ويشب في الشهر كما يشب غيره في السنة.
فمكث ما شاء الله أن يمكث، وقيل: كانت تختلف إليه أمه، فكان يمص أصابعه، فوجدته يمص من أصبع ماء، ومن أصبع عسلا، ومن أصبع تمرا، ومن أصبع سمنا، عن أبي روق، ومحمد بن إسحاق.
ولما خرج من السرب، نظر إلى النجم، وكان آخر الشهر، فرأى الكوكب قبل القمر، ثم رأى الشمس، فقال ما قال، ولما رأى قومه يعبدون الأصنام خالفهم، وكان يعيب آلهتهم، حتى فشا أمره، وجرت المناظرات.
وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شئ علما أفلا تتذكرون 80