(وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم) أي: باتباع أهوائهم. ومن قرأ بالضم أراد أنهم يضلون أشياعهم، فحذف المفعول به، وفي أمثاله كثرة، وإنما جعل النكرة اسم (إن) لأن الكلام إذا طال احتمل ذلك، ودل بعضه على بعض.
(بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين) المتجاوزين الحق إلى الباطل، والحلال إلى الحرام (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) أمر سبحانه بترك الإثم مع قيام الدلالة على كونه إثما، ونهى عن ارتكابه سرا وعلانية، وهو قول قتادة، ومجاهد، والربيع بن أنس. وقيل: أراد بالظاهر أفعال الجوارح، وبالباطن أفعال القلوب، عن الجبائي. وقيل: الظاهر من الإثم هو الزنا، والباطن هو اتخاذ الأخدان، عن السدي، والضحاك. وقيل: ظاهر الإثم امرأة الأب، وباطنه الزنا، عن سعيد بن جبير. وقيل: إن أهل الجاهلية كانت ترى أن الزنا إذا أظهر كان فيه إثم، وإذا استسر به صاحبه، لم يكن إثما، ذكره الضحاك. والأصح القول الأول لأنه يعم الجميع (إن الذين يكسبون الإثم) أي: يعملون المعاصي التي فيها الآثام، ويرتكبون القبائح (سيجزون) أي: سيعاقبون (بما كانوا يقترفون) بما كانوا يكسبون، ويرتكبون.
ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعمتموهم إنكم لمشركون 121.
المعنى: ثم أكد سبحانه ما تقدم بقوله (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) يعني عند الذبح من الذبائح، وهذا تصريح في وجوب التسمية على الذبيحة، لأنه لو لم يكن كذلك لكان ترك التسمية غير محرم لها (وإنه لفسق) يعني: وإن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لفسق. وفي هذا دلالة على تحريم أكل ذبائح الكفار كلهم، أهل الكتاب وغيرهم، من سمي منهم، ومن لم يسم، لأنهم يعرفون الله تعالى على ما ذكرناه من قبل، فلا يصح منهم القصد إلى ذكر اسمه.
فأما ذبيحة المسلم إذا لم يسم الله تعالى عليها، فقد اختلف في ذلك، فقيل:
لا يحل أكلها سواء ترك التسمية عمدا أو نسيانا، عن مالك، وداود، وروي ذلك عن الحسن، وابن سيرين، وبه قال الجبائي. وقيل: يحل أكلها في الحالين عن