(ونقلب أفئدتهم وأبصارهم) أخبر سبحانه أنه يقلب أفئدة هؤلاء الكفار، وأبصارهم، عقوبة لهم، وفي كيفية تقليبهما قولان أحدهما: إنه يقلبهما في جهنم على لهب النار، وحر الجمر، (كما لم يؤمنوا به أول مرة) في الدنيا، عن الجبائي، قال: وجمع بين صفتهم في الدنيا، وصفتهم في الآخرة، كما قال:
(وجوه يومئذ خاشعة) يعني في الآخرة (عاملة ناصبة) يعني في الدنيا، والآخر:
إن المعنى نقلب أفئدتهم وأبصارهم بالحيرة التي تغم وتزعج النفس. وقوله (كما لم يؤمنوا به أول مرة) قيل: إنه متصل بما قبله، وتقديره وأقسموا بالله ليؤمنن بالآيات، والله تعالى قد قلب قلوبهم وأبصارهم، وعلم أن فيها خلاف ما يقولون. يقال: فلان قد قلب هذه المسألة، وقلب هذا الأمر إذا عرف حقيقته، ووقف عليه (وما يدريكم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) كما لم يؤمنوا بما أنزل الله من الآيات أول مرة، عن ابن عباس، ومجاهد. وقيل: معناه لو أعيدوا إلى الدنيا ثانية، لم يؤمنوا به، كما لم يؤمنوا به أول مرة في الدنيا، كما قال: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) عن ابن عباس في رواية أخرى. وقيل: معناه يجازيهم في الآخرة كما لم يؤمنوا به في الدنيا، عن الجبائي. والهاء في (به) يحتمل أن يكون عائدة على القرآن، وما أنزل من الآيات. ويحتمل أن تكون عائدة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(ونذرهم في طغيانهم) أي: نخليهم وما اختاروه من الطغيان، فلا نحول بينه وبينهم (يعمهون) يترددون في الحيرة. قال الحسين بن علي المغربي: قوله:
(ونقلب أفئدتهم وأبصارهم) حشو بين الجملتين، ومعناه: إنا نحيط علما بذات الصدور وخائنة الأعين أي: نختبر قلوبهم فنجد باطنها بخلاف ظاهرها.
ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون 111.
القراءة: قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب: (قبلا) بضمتين ها هنا، وفي الكهف (قبلا) بكسر القاف وفتح الباء، وقرأ أبو جعفر ههنا بكسر القاف، وفي الكهف بالضم. وقرأ نافع، وابن عامر: (قبلا) بكسر القاف في موضعين. وقرأ أهل الكوفة بضم القاف في السورتين.