على الناس عن قصد شعيب، فيرجع إلى معنى القول الأول وثالثها: إن المراد لا تقعدوا بكل طريق من طرق الدين، فتطلبون له العوج، بإيراد الشبه، وتقولون لشعيب إنه كذاب، فلا يفتننكم عن الدين وتتوعدونه.
(وتصدون عن سبيل الله من آمن به) أي: تمنعون عن دين الله، من أراد أن يؤمن به من الناس (وتبغونها عوجا) الهاء راجعة إلى (السبيل) أي: تبغون السبيل عوجا عن الحق، وهو أن تقولوا: هذا كذب، وهذا باطل، وما أشبه ذلك، عن قتادة. وقيل: معناه تلتمسون لها الزيغ، عن مجاهد. وقيل: معناه لا تستقيمون على طريق الهدى، عن الحسن. وقيل: تريدون الإعوجاج، والعدول عن القصد، عن الزجاج.
(واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم) أي: كثر عددكم. قال ابن عباس: وذلك أن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط، فولدت حتى كثر أولادها. قال الزجاج: وجائز أن يكون (كثركم) جعلكم أغنياء بعد أن كنتم فقراء. وجائز أن يكونوا غير ذوي مقدرة وإقدار، فكثرهم. وجائز أن يكون عددهم قليلا فكثرهم.
(وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين) يعني: فكروا في عواقب أمر عاد، وثمود، ولوط، وإنزال العقاب بهم، واستئصال شأفتهم، وما حل بهم من البوار (وإن كان طائفة) أي: جماعة (منكم آمنوا بالذي أرسلت به) أي: صدقوني في رسالتي، وقبلوا قولي (وطائفة لم يؤمنوا) لم يصدقوني (فاصبروا حتى يحكم الله بيننا) خاطب الطائفتين، ومعناه: لا يغرنكم تفرق الناس عني، فإن جميل العاقبة لي، وسيجزي الله كل واحد من الفريقين بما يستحقه على عمله في الدنيا، أو الآخرة دون الدنيا (وهو خير الحاكمين) لأنه لا يجوز عليه الجور، ولا المحاباة في الحكم، وهذا وعيد لهم.
قال البلخي: أمرهم في هذه الآية بالكف عما كانوا يفعلون من الصد عن الدين، والإيعاد عليه، والكف عنه خير ورشد، ولم يأمرهم بالمقام على الكفر.
وفي ذلك دلالة على أنه ليس كل أفعال الكفار كفر ومعصية، كما يذهب إليه بعض أهل النظر.
قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا