(ومنهم دون ذلك) أي: دون الصالح في الدرجة والمنزلة، وهم الذين امتثلوا بعض الأوامر دون بعض، وعملوا بعض المعاصي، وإنما وصفهم بما كانوا عليه قبل ارتدادهم وكفرهم، وذلك قبل أن يبعث فيهم عيسى عليه السلام. وقيل معناه: منهم المؤمنون بمحمد وعيسى عليهما السلام، ومنهم الكافرون، عن عطاء، ومجاهد (وبلوناهم بالحسنات والسيئات) معناه: اختبرناهم بالرخاء في العيش، والخفض في الدنيا، والدعة والسعة في الرزق، وبالشدائد في العيش، والمصائب في الأنفس والأموال، فكأنه قال: بلوناهم بالنعم والنقم، والرخاء والشدة، فإن فعل النعم يقتضي الرغبة إلى الله تعالى في ارتباطها، وفعل النقم يقتضي الرغبة إلى الله تعالى في كشفها (لعلهم يرجعون) أي: لكي يرجعوا إلى الله تعالى، وينيبوا إلى طاعته، وامتثال أمره، ومتى قيل: كيف يصح الرجوع إلى أمر لم يكونوا عليه قط؟ فالقول فيه: إن الذاهب عن الشئ قد يقال له إرجع إليه، أي: صر إليه، كما أن من رأى غيره سالكا في المهالك، قد يقول له: إرجع إلى الطريق المستقيم، يريد به اخراجه عن المهالك. وقيل: إن معناه لعلهم يرجعون إلى ما عليه أصل الفطرة.
فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون 169 والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين 170.
القراءة: قرأ أبو بكر: (يمسكون) بتسكين الميم. والباقون بفتحها وتشديد السين، وهما بمعنى واحد. وفي الشواذ قراءة السلمي: (وادارسوا ما فيه) أراد تدارسوا فأدغم.
اللغة: قال الزجاج: يقال للقرن الذي يجئ في أثر قرن: خلف. والخلف:
ما أخلف عليك بدلا مما ذهب منك. قال الفراء: يقال هو خلف صدق، وخلف سوء. قال لبيد: