المزعجة بشدة الزعزعة.
(فأصبحوا في دارهم) أي: في بلدهم، ولذلك وحد. وقيل: يريد في دورهم، وإنما وحد لأنه أراد الجنس. كقوله (إن الانسان لفي خسر) وقد ذكر في موضع آخر (ديارهم) بالجمع (جاثمين) أي: صرعى ميتين ساقطين، لا حركة بهم. وقيل: كالرماد الجاثم، لأنهم احترقوا بالصاعقة (فتولى عنهم) صالح أي:
أعرض عنهم، لأنه إنما كان يقبل عليهم لدعائهم إلى الإيمان (وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم) أي: أديت النصح في تبليغ الرسالة (ولكن لا تحبون الناصحين) أي: ولكنكم لا تحبون من ينصح لكم، لأن من أحب إنسانا قبل منه.
قصة صالح: وكان من قصة صالح وقومه، على ما ذكره أصحاب التواريخ أن عادا لما هلكت، وتقضى أمرها، عمرت ثمود بعدها، واستخلفوا في الأرض، فكثروا وعمروا وكانوا في سعة من معايشهم، فعتوا على الله، وأفسدوا في الأرض، وعبدوا غير الله، فبعث الله إليهم صالحا، وكان من أوسطهم نسبا، وكانوا قوما عربا.
وروي في الخبر أنه لما بعث كان ابن ست عشرة سنة، فلبث فيهم يدعوهم إلى الله تعالى حتى بلغ عشرين ومائة سنة، لا يجيبونه إلى خير، وكان لهم سبعون صنما يعبدونها. فلما رأى ذلك منهم قال لهم:
أنا أعرض عليكم أمرين، إن شئتم فاسألوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم فيما تسألون، وإن شئتم سألت آلهتكم، فإن أجابوني خرجت عنكم فقد شنئتكم وشنئتموني.
قالوا قد أنصفت فاتعدوا ليوم يخرجون فيه، فخرجوا بأصنامهم إلى عيدهم، وأكلوا وشربوا، فلما فرغوا دعوه فقالوا: يا صالح سل؟ فسألها، فلم تجبه. قال:
لا أرى آلهتكم تجيبني، فاسألوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم الساعة. فقالوا: يا صالح أخرج لنا من هذه الصخرة، وأشاروا إلى صخرة منفردة، ناقة مخترجة، جوفاء، وبراء، والمخترجة: ما شاكل البخت من الإبل، فإن فعلت صدقناك، وآمنا بك!