وقال أبو بكر السراج: ان (الله) وإن كان اسما علما، ففيه معنى الثناء والتعظيم الذي يقرب بهما من الفعل، فيجوز أن يوصل لذلك بالمحل، وتأويله:
وهو المعظم، أو نحو ذا في السماوات وفي الأرض، ثم قال: (يعلم سركم وجهركم) ومثل ذلك قوله سبحانه: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) قال الزجاج: فلو قلت: هو زيد في البيت والدار، لم يجز إلا أن يكون في الكلام دليل على أن زيدا يدبر أمر البيت والدار، فيكون المعنى: هو المدبر في البيت والدار.
ولو قلت: هو المعتضد والخليفة في الشرق والغرب، أو قلت: هو المعتضد في الشرق والغرب جاز، وعلى مقتضى ما قاله أبو بكر والزجاج يكون في متعلقة بما دل عليه اسم الله، ويكون (هو الله) مبتدأ وخبرا، والمعنى: وهو المنفرد بالإلهية في السماوات وفي الأرض لا إله فيهما غيره، ولا مدبر لهما سواه. وإن جعلت (في السماوات) خبرا بعد خبر، فيكون التقدير: وهو الله، وهو في السماوات وفي الأرض، يعني أنه في كل مكان، فلا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان، ثم أخبر سبحانه عن هذا المعنى مبينا لذلك، مؤكدا له، بقوله: (يعلم سركم وجهركم) أي الخفي المكتوم والظاهر المكشوف منكم.
(ويعلم ما تكسبون): والمعنى يعلم نياتكم وأحوالكم وأعمالكم. وهذا الترتيب الذي ذكرته في معاني هذه الآية التي استنبطتها من وجوه الإعراب مما لم أسبق إليه، وهو في استقامة فصوله، ومطابقة أصول الدين كما تراه، لا غبار عليه، وفيه دلالة على فساد قول من يقول بأن الله تعالى في مكان دون مكان، تعالى عن ذلك وتقدس. وفي قوله: (يعلم سركم وجهركم) دلالة على أنه عالم لنفسه، لأن من كان عالما بعلم، لا يصح ذلك منه.
وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين 4 فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون 5.
الاعراب: (من) الأولى: مزيدة، وهي التي تقع في النفي لاستغراق الجنس، وموضعه رفع. والثانية: للتبعيض.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن الكفار المذكورين في أول الآية، فقال: (وما