(قل) يا محمد (إني أمرت) أي: أمرني ربي (أن أكون أول من أسلم) أي: استسلم لأمر الله ورضي بحكمه. وقيل: معناه أمرت أن أكون أول من أخلص العبادة من أهل هذا الزمان، عن الكلبي. وقيل: أول من أسلم من أمتي، وآمن بعد الفترة، عن الحسن. وإنما كان أول، لأنه خص بالوحي. وقيل: معناه أن أكون أول من خضع، وآمن، وعرف الحق من قومي، وأن أترك ما هم عليه من الشرك.
ونظيره قول موسى: (سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) أي: بأنك لا ترى ممن سألك أن تريه نفسك، وقول السحرة (إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين) بأن هذا ليس بسحر، وانه الحق أي: أول المؤمنين من السحرة (ولا تكونن من المشركين) المعنى: أمرت بالأمرين جميعا أي: أمرت بالإيمان، ونهيت عن الشرك، وتقديره وقيل لي: لا تكونن من المشركين، وصار (أمرت) بدلا من ذلك، لأنه حين قال: (أمرت) أخبر أنه قيل له ذلك. فقوله: (ولا تكونن) معطوف على ما قبله في المعنى. (قل) يا محمد (إني أخاف) قيل: معناه أوقن، وأعلم. وقيل: هو من الخوف (إن عصيت ربي) بترك أمره، وترك نهيه. وقيل:
بعبادة غيره. وقيل: باتخاذ غيره وليا (عذاب يوم عظيم): يعني يوم القيامة. ومعنى العظيم هنا: أنه شديد على العباد، وعظيم في قلوبهم. من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين 16.
القراءة: قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، ويعقوب، وأبو بكر، عن عاصم:
(من يصرف) بفتح الياء وكسر الراء. والباقون (يصرف) بضم الياء وفتح الراء.
الحجة: قال أبو علي: فاعل (يصرف) الضمير العائد إلى (ربي)، وينبغي أن يكون حذف الضمير العائد إلى (العذاب). والمعنى: من يصرفه عنه. وكذلك في قراءة أبي فيما زعموا. وليس حذف هذا الضمير بالسهل، وليس بمنزلة الضمير الذي يحذف من الصلة، لأن (من) جزاء، ولا يكون صلة. على أن الضمير إنما يحذف من الصلة، إذا عاد إلى الموصول، نحو (أهذا الذي بعث الله رسولا) (وسلام على عباده الذين اصطفى) أي: بعثهم واصطفاهم، ولا يعود الضمير المحذوف هنا إلى موصول، ولا إلى (من) التي للجزاء، وإنما يرجع إلى العذاب في قوله (عذاب يوم عظيم). وليس هذا بمنزلة قوله: (والحافظين فروجهم