(قل) يا محمد لهؤلاء الكفار (لو أن عندي) أي: برأي وإرادتي (ما تستعجلون به) من إنزال العذاب بكل (لقضي الأمر بيني وبينكم) أي: لفرغ من الأمر بأن أهلككم فأستريح منكم، غير أن الأمر فيه إلى الله تعالى (والله أعلم بالظالمين) وبوقت عذابهم، وما يصلحهم. وفي هذا دلالة على أنه سبحانه إنما يؤخر العقوبة لضرب من المصلحة، إما لأن يؤمنوا، أو لغير ذلك من المصالح، فهو يدبر ذلك على حسب ما تقتضيه الحكمة. وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين 59 وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعلمون 60.
اللغة: المفاتح: جمع مفتح. فالمفتح بالكسر: المفتاح الذي يفتح به.
والمفتح بفتح الميم: الخزانة. وكل خزانة كانت لصنف من الأشياء فهو مفتح. قال الفراء في قوله: (إن مفاتحه لتنوء بالعصبة) يعني: خزائنه. والتوفي: قبض الشئ على التمام، يقال: توفيت الشئ، واستوفيته، بمعنى. والجرح: العمل بالجارحة. والاجتراح: الإكتساب.
الاعراب: (ولا حبة): تقديره: ولا تسقط من حبة ثابتة في ظلمات الأرض، ولا رطب، ولا يابس. وقوله: (إلا في كتاب مبين) الجار والمجرور في موضع الرفع، لأنه خبر الابتداء تقديره: إلا هو في كتاب مبين. ولا بد من هذا التقدير، لأنه لو لم يكن محمولا على هذا لوجب أن لا يعلمها في كتاب مبين، وهو سبحانه يعلم ذلك في كتاب مبين، والاستثناء منقطع.
المعنى: لما ذكر سبحانه أنه أعلم بالظالمين، بين عقيبه أنه لا يخفى عليه شئ من الغيب، ويعلم أسرار العالمين فقال: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) معناه وعنده خزائن الغيب الذي فيه علم العذاب المستعجل به، وغير ذلك لا