الاعراب: (من إله) مبتدأ وخبر و (غير) صفة إله، وهذه الجملة في موضع مفعولي (أرأيتم) و (من) استفهام علق الفعل الذي هو (أرأيتم) فلم يعمل في مفعوليه لفظا، وقوله (إن أخذ الله سمعكم) جوابه محذوف، وتقديره فمن يأتيكم به إلا أنه أغنى عنه قوله (من إله غير الله يأتيكم به) الذي هو مفعول (أرأيتم) في المعنى. وموضع الشرط وجوابه نصب على الحال، كما تقول: لأضربنه إن ذهب أو مكث، فإن قولك إن ذهب أو مكث، وقع موقع ذاهبا أو ماكثا، وتقديره مقدرا ذهابه أو مكثه. ويدل على أنه في موضع الحال مشابهته المفرد في أنه لا يستقل بنفسه كما تستقل الجمل، وإن كان جملة في المعنى، فإنه بدخول حرف الشرط قد صار بمنزلة المفرد في الحاجة إلى ما يستند إليه، كما احتاج المفرد. ويدل على قوة اتصاله بما قبله حاجته إلى ما قبله، كما احتاج ما وقع موقعه إلى ما قبله، وليس شئ من الفضلات يقع من الجملة موقعه غير الحال فثبت أنه في موضع منصوب هو حال.
فإن قيل: إن الجزاء مقدر، والشرط المذكور في اللفظ مع الجزاء كلام مستقل، وإنما كان هذا الاستدلال يسوغ لو كان الجزاء غير مقدر: قيل: الجزاء وإن كان مقدرا لا حكم له، لأنه لا يجوز إظهاره، وإنما هو شئ يثبت من جهة التقدير، فضعف أمره، ولو جاز إظهاره لكان في موضع الحال، وهذا مأخوذ من كلام أبي علي الفارسي، ذكره في القصريات مع كلام كثير في معناه قد دقق فيه، ولم يسبق إليه وقوله (يأتيكم به) في موضع رفع بأنه صفة (إله).
المعنى: ثم زاد سبحانه في الإحتجاج عليهم فقال: (قل) يا محمد لهؤلاء الكفار (أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم) أي: ذهب بهما فصرتم صما عميا (وختم على قلوبكم) أي: طبع عليها. وقيل: ذهب بعقولكم، وسلب عنكم التمييز، حتى لا تفهمون شيئا وإنما خص هذه الأشياء بالذكر، لأن بها تتم النعمة دينا ودنيا (من إله غير الله يأتيكم به) قال الزجاج: هذه الهاء تعود إلى معنى الفعل، المعنى من إله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم، قال: ويجوز أن يكون عائدا إلى السمع، ويكون ما عطف على السمع داخلا في القصة معه، إذا كان معطوفا عليه، قال ابن عباس: يريد لا يقدر هؤلاء الذين يعبدون أن يجعلوا لكم أسماعا، وأبصارا، وقلوبا، تعقلون بها، وتفهمون، أي: إن أخذها الله منكم، فمن يردها عليكم؟ بين سبحانه بهذا أنه كما لا يقدر على ذلك غير الله، فكذلك يجب أن لا تعبدوا سواه.