(أخرجوا أنفسكم) أي. يقولون أخرجوا أنفسكم من سكرات الموت إن استطعتم، وصدقتم فيما قلتم، وادعيتم. وقيل: أخرجوا أنفسكم من أجسادكم عند معاينة الموت، إرهاقا لهم وتغليظا عليهم، وإن كان اخراجها من فعل غيرهم، وقيل على التأويل الأول يقولون لهم يوم القيامة: أخرجوا أنفسكم من عذاب النار، إن استطعتم أي: خلصوها منه. (اليوم تجزون عذاب الهون) أي: عذابا تلقون فيه الهوان (بما كنتم تقولون على الله غير الحق) أي: في الدنيا (وكنتم عن آياته تستكبرون) أي: تأنفون من اتباع آياته.
ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون 94.
القراءة: قرأ أهل المدينة، والكسائي، وحفص: (بينكم) بالنصب.
والباقون بالرفع.
الحجة: قال أبو علي: استعمل هذا الاسم على ضربين أحدهما: أن يكون اسما متصرفا كالافتراق والآخر: أن يكون ظرفا، والمرفوع في قراءة من قرأ (لقد تقطع بينكم): هو الذي كان ظرفا، ثم استعمل اسما، والدليل على جواز كونه اسما، قوله: (ومن بيننا وبينك حجاب) و (هذا فراق بيني وبينك) فلما استعمل اسما في هذه المواضع، جاز أن يسند إليه الفعل الذي هو (تقطع) في قول من رفع. والذي يدل على أن هذا المرفوع هو الذي استعمل ظرفا، أنه لا يخلو من أن يكون الذي كان ظرفا اتسع فيه، أو يكون الذي هو مصدر، فلا يجوز أن يكون المصدر، لأن تقديره يكون لقد تقطع افتراقكم، وهذا خلاف المعنى المراد، لأن المراد لقد تقطع وصلكم، وما كنتم تتألفون عليه.
فإن قلت: كيف جاز أن يكون بمعنى الوصل، وأصله الافتراق والتمايز؟ قيل.
إنه لما استعمل مع الشيئين المتلابسين في نحو: بيني وبينه شركة، وبيني وبينه رحم وصداقة، صارت لاستعمالها في هذه المواضع بمنزلة الوصلة، وعلى خلاف الفرقة، فلهذا قد جاء (لقد تقطع بينكم) بمعنى تقطع وصلكم.