بآية بعد آية، وحجة بعد أخرى، نصرفها لقوم يشكرون الله على إنعامه عليهم، ومن إنعامه عليهم: هدايته إياهم لما فيه نجاتهم، وتبصيرهم سبيل أهل الضلال، وأمره إياهم تجنب ذلك، والعدول عنه.
وروي عن ابن عباس، ومجاهد، والحسن أن هذا مثل ضربة الله تعالى للمؤمن والكافر، فأخبر بأن الأرض كلها جنس واحد، إلا أن منها طيبة تلين بالمطر، ويحسن نباتها، ويكثر ريعها، ومنها سبخة لا تنبت شيئا، فإن أنبتت فما لا منفعة فيه، وكذلك القلوب كلها لحم ودم، ومنها لين يقبل الوعظ، ومنها قاس جاف لا يقبل الوعظ، فليشكر الله تعالى من لان قلبه لذكره.
لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم 59 قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين 60 قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين 61 أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله مالا تعلمون 62 أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا لعلكم ترحمون 63 فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين 64.
القراءة: قرأ أبو جعفر والكسائي (من إله غيره) بخفض الراء حيث وقع، والباقون بالرفع. وقرأ أبو عمرو وحده: (أبلغكم) بتخفيف اللام. والباقون بتشديدها.
الحجة: قال أبو علي: وجه قراءة من جر أنه جعل (غيرا) صفة (لإله) على اللفظ، وجعل لكم مستقرا، أو جعله غير مستقر، وأضمر الخبر، والخبر: (ما لكم) في الوجود، أو في العالم، أو نحو ذلك، لا بد من هذا الإضمار إذا لم نجعل لكم مستقرا، لأن الصفة والموصوف لا يستقبل بهما كلام.