ولكن أكثرهم لا يعلمون) معناه: وما أولياء المسجد الحرام إلا المتقون، عن الحسن، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام. وقيل: معناه وما كانوا أولياء الله إن أولياء الله إلا المتقون الذين يتركون معاصي الله ويجتنبونها. والأول أحسن.
ويسأل فيقال: كيف يجمع بين الآيتين وفي الأولى نفي تعذيبهم، وفي الثانية، إثبات ذلك؟ وجوابه على ثلاثة أوجه أحدها: إن المراد بالأول عذاب الاصطلام والاستئصال، كما فعل بالأمم الماضية، وبالثاني عذاب القتل بالسيف، والأسر، وغير ذلك بعد خروج المؤمنين من بينهم والآخر: إنه أراد: وما لهم أن لا يعذبهم الله في الآخرة، ويريد بالأول عذاب الدنيا، عن الجبائي والثالث: إن الأول استدعاء للاستغفار يريد أنه لا يعذبهم دنيا ولا آخرة إذا استغفروا وتابوا، فإذا لم يفعلوا عذبوا.
ثم بين أن استحقاقهم العذاب بصدهم الناس عن المسجد الحرام.
وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون 35.
القراءة: يروى في الشواذ عن عاصم: (وما كان صلاتهم) بالنصب (إلا مكاء وتصدية) بالرفع. وروي أيضا عن أبان بن تغلب.
الحجة: قال ابن جني: لسنا ندفع أن جعل اسم كان نكرة وخبرها معرفة قبيح، وإنما جاءت منه أبيات شاذة، لكن من وراء ذلك ما أذكره، وهو أن نكرة الجنس تفيد مفاد معرفته، ألا تراك تقول: خرجت فإذا أسد بالباب، فتجد معناه فإذا الأسد بالباب، ولا فرق بينهما، وذلك أنك في الموضعين لا تريد أسدا واحدا معينا، وإنما تريد واحدا من هذا الجنس، وإذا كان كذلك جاز هنا الرفع في (مكاء وتصدية) جوازا قريبا، كأنه قال: وما كان صلاتهم إلا هذا الجنس من الفعل، ولا يكون مثل قولك كان قائم أخاك، لأنه ليس في قائم معنى الجنسية، وأيضا فإنه يجوز مع النفي ما لا يجوز مع الإيجاب، ألا تراك تقول ما كان انسان خيرا منك، ولا تجيز كان انسان خيرا منك.
اللغة: المكاء: الصفير. والمكاء: طائر يكون بالحجاز له صفير بالتشديد، يقال: مكا، يمكو، مكاء، إذا صفر بفيه، قال عنترة: