جعلتني باخلا كلا ورب منى إني لأسمح كفأ منك في اللزب (1) ومعناه: سميتني باخلا: (وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها) يريد: وإن يروا كل عبرة، لم يصدقوا بها، عن ابن عباس. وقيل: معناه وإن يروا كل علامة ومعجزة دالة على نبوتك، لا يؤمنوا بها لعنادهم، عن الزجاج، ولو أجرى معنى الآية على ظاهرها، لم يكن لهذا معنى، لأن من لا يمكنه أن يسمع ويفقه، لا يجوز أن يوصف بذلك، وكان لا يصح أن يصفهم بأنهم كذبوا بآياته، وغفلوا عنها، وهم ممنوعون عن ذلك.
والذي يزيل الإشكال أنه تعالى قال في وصف بعض الكفار (وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها) الآية، ولو كان في أذنيه وقر مانع عن السماع، مزيل للقدرة، لكان لا معنى لقوله (كأن في أذنيه وقرا)، ولكان لا يستحق المذقة لأنه لم يعط آلة السمع، فكيف يذم على ترك السمع.
(حتى إذا جاؤوك يجادلونك) يعني أنهم إذا دخلوا عليك بالنهار، يجيئون مجئ مخاصمين مجادلين، رادين عليك قولك، ولم يجيؤوا مجئ من يريد الرشاد والنظر، في الدلالة الدالة على توحيد الله ونبوة نبيه (يقول الذين كفروا إن هذا) أي: ما هذا القرآن (إلا أساطير الأولين) أي: أحاديث الأولين التي كانوا يسطرونها، عن الضحاك. وقيل: معنى الأساطير: الترهات والبسابس (2) مثل حديث رستم وإسفنديار، وغيره، مما لا فائدة فيه، ولا طائل تحته. وقال بعضهم:
إن جدالهم هذا القول منهم. وقيل: هو مثل قولهم: أتأكلون ما تقتلونه بأيديكم، ولا تأكلون ما قتله الله تعالى.
وهم ينهون عنه وينؤون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون 26.
اللغة: النأي: البعد. يقال نأيت عنه أنأى نأيا. ومنه أخذ النؤي: وهو الحاجز حول البيت لئلا يدخله الماء.
المعنى: ثم كنى عن الكفار الذين تقدم ذكرهم، فقال: (وهم ينهون عنه وينؤون عنه) أي: ينهون الناس عن اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يتباعدون عنه، فرارا منه،