ويجوز أن يكون المعنى: حبسوا على ربهم ينتظر بهم ما يأمرهم به، وخرج الكلام مخرج ما جرت به العادة من وقوف العبد بين يدي سيده، لما في ذلك من الفصاحة، والإفصاح بالمعنى، والتنبيه على عظم الأمر (قال) أي: يقول الله تعالى لهم، وجاء على لفظ الماضي، لأنه لتحققه كأنه واقع. وقيل: معناه تقول الملائكة لهم بأمر الله تعالى (أليس هذا بالحق) كما قالت الرسل، وهذا سؤال توبيخ وتقريع. وقوله (هذا) إشارة إلى الجزاء، والحساب، والبعث (قالوا): أي فيقول هؤلاء الكفار مقرين بذلك، مذعنين له (بلى) هو حق (وربنا) قسم ذكروه، وأكدوا اعترافهم به (قال) الله تعالى أو الملك بأمره: (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) أي: بكفركم. وإنما قال: (ذوقوا) لأنهم في كل حال يجدون ذلك وجدان الذائق المذوق في شدة الإحساس، من غير أن يصيروا إلى حال من يشم بالطعام في نقصان الإدراك.
قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون 31 وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون 32.
القراءة: قرأ ابن عامر: (ولدار الآخرة) بلام واحدة، وجر (الآخرة) على الإضافة والباقون بلامين، ورفع (الآخرة)، وقرأ أهال المدينة، وابن ذكوان عن ابن عامر، ويعقوب، وسهل: (أفلا تعقلون) بالتاء ههنا، وفي الأعراف، ويوسف، وياسين، ووافقهم حفص إلا في ياسين، وحماد، ويحيى، عن أبي بكر، في يوسف. وقرأ الباقون جميع ذلك بالياء.
الحجة: من قرأ (وللدار الآخرة) فلأن الآخرة صفة للدار، يدل على ذلك قوله: (وللآخرة خير لك من الأولى)، (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان)، و (تلك الدار الآخرة نجعلها). ومن أضاف دارا إلى الآخرة، لم يجعل الآخرة صفة للدار، فإن الشئ لا يضاف إلى نفسه، لكنه جعلها صفة للساعة، فكأنه قال: ولدار الساعة الآخرة. وجاز وصف الساعة بالآخرة، كما وصف اليوم بالآخر، في قوله: (وارجوا اليوم الآخر).