فلم يقل سأقتل موسى وقومه، لما رأى من علو أمره، وعظم شأنه، فانتقل إلى عذاب المستضعفين منهم، وهم أبناء بني إسرائيل، وبناتهم، ليوهم أنه يتم له ذلك فيهم أيضا (وإنا فوقهم قاهرون) ظاهر المعنى.
قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين 128 قالوا أوذينا من قبل أن يأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون 129.
المعنى: قال ابن عباس: كان فرعون يقتل أبناء بني إسرائيل، فلما كان من أمر موسى ما كان، أمر بإعادة القتل عليهم، فشكا ذلك بنو إسرائيل إلى موسى، فعند ذلك (قال موسى لقومه استعينوا بالله) في دفع بلاء فرعون عنكم (واصبروا) على دينكم، وعلى أذى فرعون، (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده) أي:
ينقلها إلى من يشاء نقل المواريث، فيورثكم بعد إهلاك فرعون، كما أورثها فرعون.
وهذا وعد لهم بحسن العاقبة، ليكون داعيا لهم إلى الصبر (والعاقبة للمتقين) معناه: تمسكوا بالتقوى في الدنيا، فإن حسن العاقبة في الدارين للمتقين، والعاقبة:
ما يؤدي إليه البادئة، إلا أنه إذا قيل العاقبة له، فهو في الخير، وإذا قيل العاقبة عليه: فهو في الشر، كما يقال: الدائرة له وعليه، والدبرة له وعليه.
(قالوا) أي: قال بنو إسرائيل لموسى (أوذينا من قبل أن تأتينا) أي: عذبنا فرعون بقتل الأبناء، واستخدام النساء، قبل أن تأتينا بالرسالة. وقيل: قبل أن جئتنا (ومن بعد ما جئتنا) أيضا، ويتوعدنا ويأخذ أموالنا، ويكلفنا الأعمال الشاقة، فلم ننتفع بمجيئك. وهذا يدل على أنه جرى فيهم القتل والتعذيب مرتين.
قال الحسن: كان فرعون يأخذ الجزية قبل مجئ موسى وبعده، من بني إسرائيل، فلهذا (قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا) وهذا الذي قالوه، إنما هو استبطاء منهم لما وعدهم موسى عليه السلام من النجاة من فرعون وقومه، فجدد عليه السلام لهم الوعد عن الله تعالى، ليتقوا، به (قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم)