يخلو من أن يكون أعلم بالمعنى ممن يعلمه، أو ممن لا يعلمه، وكلاهما لا يصح فيه أفعل؟ والجواب: إن المعنى هو أعلم به ممن يعلمه، لأنه يعلمه من وجوه لا يخفى على غيره، وذلك أنه يعلم ما يكون منه، وما كان، وما هو كائن إلى يوم القيامة، على جميع الوجوه التي يصح أن يعلم الأشياء عليها، وليس كذلك غيره، لأن غيره لا يعلم جميع الأشياء وما يعلمه لا يعلمه من جميع وجوهها، وأما من هو غير عالم أصلا، فلا يقال الله سبحانه أعلم منه، لأن لفظة (أعلم) يقتضي الاشتراك في العلم، وزيادة لمن وصف بأنه أعلم، وهذا لا يصح فيمن ليس بعالم أصلا إلا مجازا.
(وهو أعلم بالمهتدين) المعنى: إنه سبحانه أعلم بمن يسلك سبيل الضلال المؤدي إلى الهلاك والعقاب، ومن يسلك سبيل الهدى المفضي به إلى النجاة والثواب، وفي هذا دلالة على أن الضلال والإضلال من فعل العبد، خلاف ما يقوله أهل الجبر. وعلى أنه لا يجوز التقليد واتباع الظن في الدين، والاغترار بالكثرة، وإلى هذا أشار أمير المؤمنين علي عليه السلام حيث قال للحارث الهمداني: (يا حار! الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله).
فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين 118 وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين 119 وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون 120 القراءة: قرأ أهل الكوفة، غير حفص: (فصل لكم) بالفتح (ما حرم) بالضم. وقرأ أهل المدينة، وحفص، ويعقوب، وسهل: (فصل لكم ما حرم) كليهما بالفتح. وقرأ الباقون: (فصل لكم ما حرم) بالضم فيهما. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب: (ليضلون) بفتح الياء هنا، وفي يونس (ليضلوا عن سبيلك) وفي إبراهيم (ليضلوا عن سبيله) وفي الحج (ليضل عن سبيل الله)، وفي لقمان،